Wednesday 18th February,200411465العددالاربعاء 27 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
الشعر وأصحاب الفيل
عبدالرحمن صالح العشماوي

إنها تلك الوَقعة التي طغى فيها أبرهة الحبشي ملك اليمن وتجبَّر، وتعالى وتكبَّر، وساق نفسه بوهمه الى هلاكه مضيفاً بقصّته حَلقةً سوداء في سلسلة الطغيان والظلم والجبروت، والبعد عن الله عز وجل، تلك السلسلة التي تلقي بأصحابها في عذاب السعير.
قال أبو الصَّلت بن أبي ربيعة الثَّقفيّ في قصة الفيل:


إنَّ آياتِ ربِّنا ثاقباتٌ
لا يُماري فيهنَّ إلا الكَفُورُ
خَلَق الليل والنهار فكلٌّ
مسبتينٌ حسابُهُ مقدورُ
ثم يجلو النهارَ ربٌّ رحيم
بِمهَاةٍ، شُعاعها مَبْشُور
حُبس الفيلُ بالمُغمَّس حتى
ظلَّ يحبو، كأنَّه مَعقورُ
حولَه من ملوكِ كِندَةَ أبطا
لٌ مَلاويثُ في الحروب صُقور
خلَّفوه، ثم ابذعرُّوا جميعاً
كلُّهم عَظْمُ ساقه مكسورُ
كلُّ دينٍ يَومَ القيامة عن
د الله إلا دين الحنيفةِ بُورُ

إنها حادثة ذات أثر ايجابي كبير في توجيه نفوس الناس الى قدرة الخالق عز وجل التي تتلاشى عندها كل القوى البشرية الغاشمة الظالمة.
وكأني بجيش الفيل في هيْلمته وهيلمانه يشبه جيش أمريكا التي تَخبط في عالم اليوم خَبْطَ عشواء، مع اختلاف الوقت، ومستوى الأسلحة بين ذلك الجيش وهذا.
ولكنَّ النتيجة واحدة - لا شك في ذلك - أنَّ الله يمهل الظالم ثم يقصم ظهره بصورة تفاجئ الناس، ولا تخطر له على بال.
الأبيات السابقة رويت لأمية بن أبي الصلت، وهو ابن أبي الصلت، وكلاهما كانا يعرفان دين ابراهيم الحنيف والنصرانية واليهودية.
قول الشاعر: بمهاةٍ، يقصد به الشمس، والمغمَّس: الوادي الذي حَبَس الله فيه جيش الفيل، وملاويث: تعني أشدَّاء، ومعنى ابذعرُّوا: تفرَّقوا.
الشعر وأصحاب الفيل (2) الفاروق والشعر
كان عمر - رضي الله عنه - من أكثر الصحابة استنشاداً للشعر، وحرصا على سماع جيّده، وكان له ناقداً، وبجيِّده مُشيداً، ولم تمنعه قوَّةُ شخصيته وشدَّةُ شكيمته، ومهابتُه التي تجعل الشيطان - نعوذ بالله منه - يسلك شعباً غير الشِّعب الذي يسلكه الفاروق من أن يتفاعل مع الشهر الجيد، ويعلِّق عليه تعليق الناقدين المتذوِّقين.
وكان يسمي زهير بن أبي سُلمى (شاعر الشعراء)، ولابن عباس مع عمر في هذا الباب قصص وحكايات طريفة جميلة تدلُّنا على شيئين:
1- قربه من عمر بن الخطاب وعلاقته الوثيقة الخاصة به.
2- كثرة حفظه من الشعر مع أنه تَرْجُمانُ القرآن وحَبر الأمة.
قال له عمر ذات يومٍ: أنشدني من شعر زهير، فأنشده عبدالله قول زهير في هَرِمِ بن سنان بن حارثة ممدوحِ زهير الأوَّل:


قومٌ، أبوهم سنانٌ حين تنسبهم
طابوا وطابَ من الأفلاذِ ما ولَدوا
لو كان يقعُدُ فوقَ الشمس من كرمٍ
قومٌ بأوَّلهم أو مجدِهم قعدوا
جنٌّ إذا فَزِعوا، إنسٌ إذا أَمِنوا
مُرزَّءون بهاليلٌ إذا احتشدوا
محسَّدون على ما كان من نِعَمٍ
لا يَنزع اللهُ منهم ما لهَ حُسِدُوا

فقال له عمر: ما كان أحبَّ اليَّ لو كان هذا الشعر في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا قولٌ من عمر رضي الله عنه يتكرَّر مثله من كثيرٍ من الصحابة رضي الله عنهم إذا سمعوا مَدحاً جميلاً قالوا: الأَوْلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فما أعظمه من حُبٍّ عمر قلوبهم، وملك عليهم نفوسهم، وهنيئاً ثم هنيئاً لمن أحبَّ الحبيبَ النبي الأميَّ محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم، حباً صادقاً متوازناً بعيداً عن الغُلوِّ الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبدالله ورسوله، فقولوا: عبدالله ورسوله.
إشارة


ثانيَ اثنين والإله مجيب
وحمى مصطفاه غير مباحِ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved