Wednesday 18th February,200411465العددالاربعاء 27 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا ؟ من أين أتينا ؟
الوطن الكبير.. عندما تصوغه قناة تلفزيونية!!
د. عبد الله بن ناصر الحمود(*)

على الرغم من أنني محب للتفاؤل في أغلب الأحيان, فقد استعصى على كل تفاؤلي أن أتصور مستقبلاً مشرقاً لوطننا العربي الكبير وفق رؤية تصوغ مركباتها قناة تلفزيونية تقول إنها تهدف لتقديم خدمة إعلامية موضوعية جداً، تتفرد بها دون العالمين. أحد الجانبين مسكين ويدعو للشفقة. فإما أن تكون المجتمعات العربية قد بلغت من الهوان مبلغاً يمكنها معه أن تعتقد الخلاص من كل مشكلاتها عبر بوابة إعلام مشبوه لا يستند إلى أي من مقومات الإقناع، سوى ما يقوله هو وما يصف به نفسه. وإما أن تكون تلك القناة وأمثالها تعاني من داء العظمة بالقدر الذي اعتقدت معه أنه يمكنها وفق وصفتها أن تنقذ الأمة من ويلات ونكبات كثيرة وأن تنقلها إلى بر الأمان. وحيث أجزم أن العالم العربي لا يزال بخير، على الرغم من كثير من المشكلات التي تواجهه في رحلته للتميز، فإن المشكلة العضال - كما يبدو - هي في بيئة معاصرة مضطربة عالمياً وإقليمياً أتاحت لعدد من الكيانات والتكتلات المضطربة أن تبرز على الساحة، ومنها كيانات إعلامية مشبوهة الأهداف والغايات الاستراتيجية، ربما لا يجمعها بالوطن العربي غير اللغة التي تستخدمها. ذابت الحدود السياسية والوطنية مطلع التسعينات الميلادية فأوجدت تلك البيئة مجالاً رحباً لظهور أصوات صابئة خرجت على كثير من الأعراف المستقرة شعبياً وثقافياً في الوطن العربي، لتلوك المصالح العليا للوطن العربي بأسلوب صحافة التابلويد الفضائحية الصفراء. وفي ذلك إرجاع للعالم العربي إلى أسوأ مراحل فشله، وربط حاضره المتوثب المعقود بالأمل والترقب، بأسوأ ما في ماضيه من فرقة وشقاق. إنها رسالة الإحباط المتواترة لكل ما هو عربي فكراً وشخصاً وقضية. استبدال العمل الإعلامي الاحترافي بسياسة المراهقة الإعلامية وإظهار التمرد والشغب للآخرين لاقناعهم بالوصول إلى سن البلوغ. معادلة الخطوط الحمراء هي من غير شك لصالح هذه الفئات من القنوات الإعلامية، حيث إن الخط الأحمر يحيط مجالها الجغرافي وحسب أما ما سوى ذلك فمشاع لكل انتهاك ومروق في ثقافتها. وعلى الرغم من زعم التعامل مع القضايا الخلافية، فإن الحقائق تؤكد أن انتقاء هذه القنوات محصور بقضايا تهاجم حقوق الشعوب العربية في أن تعيش في وئام وسلام واستقرار، وتعمل غالباً لصالح المجرمين والفئات المارقة على النظم والمجتمعات والأعراف العربية، وليس الكيانات المحترمة التي تؤسس خلافها واختلافها على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة. وبذلك تخرج نظرية الموضوعية في أسوأ استغلال للمصطلحات، على الرغم من أن العارفين بصناعة الإعلام موقنين بأن لا موضوعية في الإعلام أصلاً. وإذا كانت هذه القنوات لا تدرّ ربحاً - لمقاطعتها الرسمية والشعبية من معظم مصادر التمويل والرعاية -، فلمصلحة من تعمل القناة؟ وما الدوافع الحقيقية لسلوكياتها في البث والنشر؟ ولماذا تقتصر مشاغبة تلك القنوات على الدول الاستراتيجية المحورية في الوطن العربي، وبخاصة المملكة العربية السعودية؟ أسئلة مهمة جداً، تؤكد إجاباتها أننا ربما أُتينا من أن من بيننا من يتحدث لغتنا، ويتباكى على واقعنا، لكنه ربما كان معول هدم لكل ما ننجزه ونطمح إلى إنجازه.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved