Wednesday 18th February,200411465العددالاربعاء 27 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
فرصة لا تتوفر إلا للتلفزيون السعودي
عبدالله بن بخيت

حتى الآن وأنا أقلب موضوع كتابة مسلسل تلفزيوني للأطفال واليافعين. لا أواجه صعوبة في كتابة النص. فالكتابة التلفزيونية لا تظهر صعوبتها في الكتابة ذاتها ولكن خيال الإنسان تعيقه عملية الإنتاج. فكلما سمحت لخيالك بالعمل تدنت فرصة إنتاج العمل. ونحن لم نعد معزولين عن العالم ،فأمامنا سيل جارف من الأعمال الأجنبية المصروف عليها. فالمسألة في عالمنا اليوم مسألة فلوس وقدرات فنية.
كثيراً منا تنافى النكتة التي تقول إن طبيباً قدم نفسه بأنه طبيب أطفال فسأله محدثه متى إن شاء الله تصبح طبيباً كبيراً. هذه النكتة تمثل مفهوم كثير من القائمين على تمويل الأعمال التلفزيونية الموجهة للأطفال. فمنا من يرى أن العمل مع الأطفال قليل المصاريف قليل الكلفة. كأنما الأمر بالوزن والحجم. وهناك من يبالغ كثيراً في مسألة التعامل مع مواضيع الأطفال وكأنها نوع من النبوءات التي تتطلب لجان ودراسات وخبراء تربية ومصلحين لتنتهي الأعمال إلى كومة من النصائح المباشرة التي تفتقر إلى الحس الجمالي والفني، اعتقد دائما ان الكاتب الذي يكتب للكبار بصفة عامة قادر على الكتابة للأطفال إذا حصل على المقاربة الحقيقية. فالفرق يقرره الفنان لا المربي. فعامل التربية برغم أهميته لابد أن يكون عاملاً مساعداً، العمل الفني لا يفترض فيه أن ينقل الطفل إلى صباحات المدرسة مرة أخرى. ان أهم نقطة في أعمال الأطفال تتركز فيما تتجنبه لا ما تستدنيه، لا تقرر الرسالة ثم يكتب على ضوئها. لأن العمل للأطفال هو عمل فني مثل العمل للكبار. عندما يشاهد الأطفال الأعمال التلفزيونية المعدة للكبار يمكن أن ترى في داخلها رسائل أخلاقية متعددة وهي في الحقيقة ليست مبنية بشكل متروٍ في النص بقدر ما يسقطها المشاهد على النص. يراها البعض بوضوح والبعض الآخر لا يراها أبداً، فهي ترجمة ذاتية. وما يفعله المشاهد أمام النص هو ما يفعله الناقد المحترف مع فارق الوظيفة. كلاهما يأتي بمعارفه ومواقفه ويختبر بها العمل ويقرر على ضوئها مدى أخلاقية النص.
على الرغم من تعدد القنوات الفضائية وتقاتلها على المشاهد لا نلاحظ أبداً أن هناك من يريد أن يضع الأطفال جزءاً من جمهوره. وإذا أردنا الانصاف فليس من واجب هؤلاء إنتاج أعمال للأطفال لأن المنتج الموجه للكبار يتسم بالسطحية والسذاجة والسخف في بعض الأحيان وهو كافٍ لجذب المشاهدين بحكم أن المنافسين لا يقدمون أعمالاً ناضجة مثلهم مثله. فلو تجولت في مشاريع رمضان التلفزيونية لن تجد عملاً يستحق المشاهدة بالمعنى الصحيح فهي إما أن تكون أعمالاً درامية مل المشاهد من تكرارها وتكرار مواضيعها أو أن تكون أعمالاً مقلدة بشكل فج لأعمال أجنبية. المشاهد في كلتا الحالتين يتفرج غصباً. وهي نفس الحالة التي كنا نشتكي منها أيام الانغلاق الإعلامي. هناك فرصة أمام التلفزيون السعودي يستطيع أن يستفيد منها ويكسب المشاهدين. فالمسافة بين السخف الذي تقدمه الفضائيات وحالة التلفزيون السعودي المنكمشة واسعة جداً ومهملة، يمكن أن يغطيها التلفزيون السعودي ليستعيد بها مشاهديه الذين فقدهم بسبب المزاحمة. التلفزيون السعودي كريم جداً مع الدراما المحلية لذا يمكن أن يكرس ميزانية خاصة لإنتاج الأفلام العائلية، التي تناسب المشاهدين من سن الثانية عشرة إلى الثمانين. فالفضائيات ملتهية في حالة الكبت الجنسي التي يعاني منها كثير من المشاهدين. والمنافسة بين الفضائيات لا يمكن أن توفر لها الوقت للدخول معه في المنافسة على الأعمال الجيدة. يستطيع التلفزيون السعودي أن يترك الفضائيات لمشاغلها الجنسية مع المشاهدين ويتبنى الاتجاهات الصحيحة من بينها التركيز على الإنتاج للأطفال والأسرة كما تفعل بعض المحطات التلفزيونية البريطانية. وهذه فرصة لا تتوفر إلا للتلفزيون السعودي بحكم تكوينه الثقافي والقيود المفروضة عليه. فكما نعرف لا يمكن أن يدخل في منافسة في الوحل الجنسي بحكم التوجه الديني للبلاد ومن جهة أخرى مفروض عليه بحكم رسالته أن يكسب الجماهير.
أميل إلى القول ان توجه الناس للتفرج على البرامج النزاعة إلى الجنس لا يعود إلى رغبة الناس بقدر ما يعود إلى غياب البديل. والبديل هو فرصة التلفزيون السعودي لاستعادة مشاهديه بدون حالة ال(غصب) التي ذهبت إلى غير رجعة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved