لا تزال اللجنة التأسيسية لهيئة الصحفيين السعوديين تعمل جاهدة لتحديد هوية الصحفي كمهنة ذات ضوابط وسمات خاصة بها. وبالتحديد التفريق بين الصحفي المتفرغ والصحفي المتعاون، وإيضاح الإشكاليات التي رافقت تقدم العديد من الزملاء الصحفيين الذين يشغلون وظائف اغلبها حكومية ذات علاقة بالعمل الصحفي وبعضهم مارس العمل الصحفي منذ سنين طويلة الى جانب عمله الوظيفي. وإشكالية التفريق ما بين هاتين الفئتين تعد الى حد ما صعبة في الصحافة السعودية التي ظلت والى سنين قريبة تعتمد على جهد الصحفيين المتعاونين، نظراً لعدم ثقة وقناعة الكثير من الصحفيين بالصحافة كمهنة دائمة تمتلك الأمان الوظيفي. ولذلك فإن الصحفيين المتعاونين كانوا ولا يزال البعض منهم يتكئ على الوظيفة الحكومية كسند وضمان في حين يقدم جهداً وعملاً وحتى وقتاً اكثر في عمله الصحفي.
وأنا هنا لا أتكلم عن الكتاب الصحفيين الذين يتعاونون بكتابة مقال أسبوعي أو اكثر ولا يمارسون العمل الصحفي اليومي بكل تبعاته وشقائه ومسؤولياته. إذ أن العمل الصحفي اليومي هو من يقوم به ذلك الإنسان الذي يجهد نفسه وفكره ووقته في تتبع الخبر وصياغته في ركض يومي لا يعرف معاناته ومكابدته الا من مارسه وتلذذ بتعبه. اما من يجلس مسترخياً على أريكته ليسطر مقالاً من على طاولته فلا يمكن اعتباره صحفياً وإن سمي بكاتب صحفي.
وبهذا فإننا نحصر الخلاف الدائر الآن بين الصحفي المتفرغ والصحفي المتعاون ومدى شرعية كل من الصنفين في عضوية هيئة الصحفيين السعوديين. فالصحفي المتفرغ هو الذي يمتهن الصحافة كمهنة رئيسية تعد مصدر رزقه الأساسي إن لم يكن الوحيد.
اما المتعاون فهو الذي يمتهن حرفة اخرى تعد مصدر رزقه الأساسي في حين تأتي الصحافة كمهنة ثانوية إن لم تكن هواية لإشباع رغباته الثقافية أو الاجتماعية أو حتى تحقيق مكاسب شخصية.
ولهذا فإن من الظلم أن يتساوى من يربط مصيره بالصحافة كمهنة أساسية ووحيدة وبين من يعتبرها مكملة لتحسين وضعه المادي.. أو حتى الاجتماعي والثقافي. فالأول هنا هو من يحتاج الى هيئة أو جمعية مهنية تحميه من مخاطر المهنة وتشكل له غطاءً يمده بميزات لتحسين أدائه المهني ورداءً لحماية من يعولهم والتمتع بميزات عمله المضني الذي بقدر ما يمده بعناصر متميزة الا انه يحاصره بكثير من الهموم والإشكاليات التي ليست بالضرورة تحاصر الآخر والذي إذا عجز عن إيجاد حلول لها ارتمى في حضن وظيفته الحكومية.
وهنا ومن خلال هذا التقريب للتوصيف المهني للصحفي المتفرغ وزميله الصحفي المتعاون يفرض الواقع والحاجة أن يكون التريكز على الصحفي المتفرغ تماماً لهذه المهنة التي تتطلب أماناً وظيفياً ومهنياً لفئة من المجتمع ظلت دون غطاء يكفل الأمان لها ولأسرها.
في حين لا يمكن الجزم باستمرار أسلوب عمل الصحفيين المتعاونين في ظل التطور وسعي المؤسسات الصحفية الى اعتماد التفرغ والتخصص الذي اصبح نهجاً يعتمده الصحف الكبرى.
ومع أن آليات تحديد صفة الصحفي المتفرغ عن المتعاون سهلة ولكن ولعدم توضيحها بصورة جلية في نظام هيئة الصحفيين السعوديين فإنه يمكن معالجة ذلك من خلال تحديدها عن طريق المؤسسات الصحفية النظامية. وأقصد بالنظامية المؤسسات الصحفية التي أنشئت وفق نظام المؤسسات الصحفية. فهذه المؤسسات قادرة على تحديد الصحفي المتفرغ من المتعاون استنداً الى سجلاتها ومسيرات رواتبها. ويمكن تعزيز هذا التحديد للمهنة الصحفية من خلال عضوية الانتساب الى مؤسسة التأمينات الاجتماعية التي تضم جميع الصحفيين المتفرغين. كما يمكن للجنة التأسيسية أن تبادر الى طلب رأي الشؤون القانونية بوزارة الثقافة والإعلام لتحديد من هو الصحفي العامل المتفرغ ومن هو الصحفي المتعاون للفصل في هذه المسألة التي اخذت وقتاً وجهداً كبيرين من السادة أعضاء اللجنة التأسيسية لهيئة الصحفيين السعوديين والذين بذلوا جهوداً مشكورة آن لها أن تكلل بالنجاح.
|