وبعد فها هي محاضن التربية والتعليم تشرع أبوابها وتعاود نشاطها لتستقبل طلابها بعد موسم الخير والعطاء موسم الحج والعيد، ولقد كنت مختزناً كلاما في خاطري منذ زمن فلم أجد له فرصة أسنح ولا أحسن من هذه المناسبة وهي بداية الفصل الدراسي الثاني وما هي إلا خواطر خاطرة ضاق بها فؤادي ذرعا ففضلت ان أوجزها لأخي القارئ الكريم علها أن تداوي شيئا مما في خاطري المجروح الذي خدشته بعض الأخبار الرهيبة عن بعض الأيادي العنيفة التي لا أخالها جاءت إلا مبرزة لعضلاتها الفولاذية أمام الأجسام الغضة الطرية، إنها تلكم الأيادي الحديدية التي تهوي على أجساد الطلبة فتهشمها وتذيقها بعد ذلك ألوان النكد وأصناف الهموم، أتسأل والله حينما تحمل لي الأيام مثل هذه النماذج المؤسفة وبكل ألم:
هل هذا حقا يصدر ممن تعهدوا بتربية الأجيال؟؟
هل سدت وأوصدت جميع أبواب أساليب التربية والتعليم ليجعل الضرب في أوائل العلاجات؟؟
هل هذا الفعل يا ترى هو سبب بُغض بعض الطلبة للمدارس وتنحيهم عنها وعدم رغبتهم فيها؟؟
إن هذه الأساليب التي يسلكها بعض الأساتذة وللأسف صعب أن أطلق عليهم أساتذة، هي والله أساليب عنيفة ومنفرة وبعيدة كل البعد عن المنهج النبوي الكريم في تربية النشء وتعليمه ومجانبة لأهداف التعليم السامية وخططه التربوية الهادفة لإنشاء جيل سامي الأخلاق والأدب، بل هي والله أفعال أشبه ما تكون بأفعال المعتقلات إذ هي عارية من الرحمة متجردة من الشفقة ولكأن الطالب الماثل أمام المعلم هو قاتل أباه أو أمه، بل قد يكون أحيانا خطأ الطالب يسيرا لا يستوجب معشار كل هذا العنف الذي كاله وزج به المعلم على هذا الطالب المسكين.
أن يتولد العنف في مدارس التربية والتعليم ومن المعلمين والأساتذة... هذا أمر في غاية العجب الذي مزج بالألم، وأنا أجزم يقينا بأن مثل هذه النماذج من المعلمين الذين اتخذوا العنف مسلكا لهم لم يأتوا لهذه المناصب الشريفة إلا من أجل دريهمات يقبضونها أواخر كل شهر!!!
يا ضيعة التعليم، ويا خيبة الأجيال إن كانت هذه هي نوايا بعض المعلمين، وقد يعترض أحدهم ويقول: قد بالغت في إلقاء اللائمة على المعلمين المساكين!! فأقول: إن أخبارا رأيتها وسمعتها لكفيلة بمثل هذا الكلام وأشد إنها أفعال عنيفة وقاسية لايتحمل الطلبة عواقبها ونتائجها المخيفة فوالله لقد رأيت أحد المعلمين محاولا اقتلاع الأظافر من جذورها بطريقة هندسية مقززة مستخدما بعض الأقلام السبورية، وآخر يجعل أسنان المفاتيح البارزة بين أرق الأصابع ويضغط عليها بعنف وقوة ومن أعماق قلبه، وآخر يضع الأصابع على الطاولة ويبدأ بتهشيمها بعصاته القاسية، إن بعضهم إذا ضرب يضرب ضربا يفزع القلب من شدته وبعضهم لايبالي بالضرب فتجده يتعمد ويخص بعض الأماكن الحساسة والخطيرة وكم هي تلكم الأحداث التي سمعناها والنتائج السيئة لمثل هذه الأفعال الوحشية، ولعل آخرها ما سمعته قبل فترة عن طالب طالته إحدى الأيادي الحجرية لتخلفه وقد أحاطت به اضطرابات نفسية قلبت عليه حياته وحياة ذويه، بينما ينعم هذا الرجل الحجري بحياة هادئة ومستقرة بيد أن الدعوات من خلفه تلاحقه وسيقتص هذا الطالب منه يوما ما وعند الله تجتمع الخصوم.
إنني يوم ان صغت هذه الكلمات لدي إيمان عميق بضرورة الضرب للتأديب وليس للتشفي وإن الضرب يأتي ضمن سلسلة تربوية في مجال التربية والتعليم والضرب وسيلة لازاحة التمرد والعناد إذا طرأ وبدت أماراته على سلوك بعض الأفراد، وقد أمر الله عز وجل بضرب المرأة إذا هي نشزت عن زوجها حيث قال .{ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (34) سورة النساء
وقد اتفق المفسرون على أن ضربها يكون ضربا غير مبرح قاله ابن عباس، وقال الفقهاء حول هذه الآية أن لا يكسر فيها عضوا ولا يؤثر فيها شيئا، ونستقي من هذا التوجيه الرباني أن الله جل وعلا جعل الضرب آخر الحلول.
كذلك أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بضرب الصبي للصلاة حينما قال في معرض حديثه (واجلدوهم عليها لعشر) ولكن هل يا ترى اتخذ المعلمون هذا المنهج الأسمى نبراسا لهم ومشعلا يستقون منه أساليب تعليمهم للطلبة؟؟ ياليت.
هناك تربية تسمى (التربية بالحب) وهي ان يحب المعلم هذه الأجيال الواعدة والمقبلة على هذه الحياة بتعليمها التعليم السليم ونشر بذور الخير في قلوبها لكي تنمو وتترعرع حال كبرها وارتقائها في سلم الحياة، وهي أن تتعرف على طرق وأساليب التدريس الصحيحة لتنزلها وتطبقها في القاعة الدراسية، وتشعر الطلبة باهتمامك وتفاعلك معهم وأنا أعدك بأن تنعم القاعة الدراسية بالأمن والاستقرار، ولعلك تقول:
أنت تتكلم من فراغ ولم تخض غمار هذه الحرب الضروس مع الأطفال في الصفوف الدنيا فأقول:
اعلم أخي أن مهنة التعليم من أشق وأصعب المهن على الاطلاق وفي مقابل ذلك فهي من أجل وأشرف الأعمال إذا كانت للتربية والتعليم بمفهومهما الحقيقي ونحن كنا طلابا في تلك المراحل، وخبرنا ان هنالك أساتذة لا دراية لهم بإدارة طالبين فكيف بقاعة كاملة وذاك إما لقلة خبرته او لتكاسله وإما كذلك من عند نفسه تساهلا والبعض الآخر على العكس تماما آية في التعامل والإدراك.
أليس من الأفضل أن نخرج أجيالا واعية ومدركة للمسؤولية بدل ان نخرج أجيالا اعتادت وتربت على العنف منذ صغرها، وأساسا ما تمرد الطالب أمام معلمه إلا لخلل بدا ظاهرا على المعلم أيا كان نوعه وإلا ما معنى أن يدخل أحد المعلمين إلى القاعة فيعم ويسود الهدوء الطلاب لكأن على رؤوسهم الطير احتراما وتبجيلا، ومهما كان فالعنف لا يولد إلا العنف وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.
رسالة إلى كل معلم اقحم نفسه مجالات العنف اسأل نفسك قبل أن تضرب: هل يعالج الخطأ بالخطأ ثم اجبرها على قبول الحق واجعل آخر الدواء (الضرب) ثم قل لنفسك وأنت داخل القاعة الدراسية تهم لتضرب أحد الطلبة (هل نحن في معتقلات تعذيب أم معاقل تهذيب؟؟) ولك فائق حبي واحترامي.
|