وقفَ الإمامُ أمامَه الأمواتُ
والنَّاسُ مِنْ خَلْفِ الإمامِ بُكَاةُ
صوتُ انتحابٍ هزَّهم وأثارهم
فتحدَّرتْ في صَمْتِها العَبراتُ
هذي الجنائزُ باليقينِ تُمِدُّنا
ويُطِّلُّ مِنْ أُفُقِ الحياةِ مماتُ
ليُفيقَ مِنْ خَدَرِ المآثمِ غافلٌ
ويكُفَّ عن هَدَرِ النّفوسِ رُماةُ
ويُردَّ عن زَلَقِ المآربِ طامعٌ
ويعود عن سَفَه الضَّلال غواة
ويعفّ عن ظلمٍ وسوءِ تكسبٍ
من تزدهي في عينه الشهوات
كاد المصلِّي أن يكبِّرَ فانبرى
صوتٌ يُحذِّر أنْ تقومَ صلاة
ماليْ!! أعيدوا لي ديوني إنَّها
كَسبي ولي لو تعلمونَ بنات
أَترونه يمضى وتخسرُ أسرتي
كسبي وأنتم راشدونَ هُداة
ومضى الإمامُ يحثُّ بعضَ أقاربٍ
ويحضُّهم كي تسلمَ الحسنات
فتعاقبوا حلف اليمين بأنَّهم
فقراء حظُّهم الوحيدُ فُتات
وأهابَ بالناسِ الإمامُ ليغنموا
أجْراً وتُعلَى في غدٍ درجات
فتسابقوا يقضون بعضَ دُيونِه
والخيرُ باقٍ.. والأجورُ هِبات
يتنافسون لكي يريحوا ميّتا
وتطيب للحيِّ البئيس حياةُ
وينالُ مَنْ مَنَعَ الإمامَ صلاتَهُ
مالاً وتسكنُ ثمَّة الأصوات
مضتِ الجنائزُ غير واحدةٍ فلمْ
يحضرْ لها أهلٌ وغابَ لِدَاتُ
نعشٌ هنا يبقى مسجَّىً وحدَه
وهناك يمضي للقبورِ مشاةُ
ويُثيرُ شكٌ في الرؤوسِ سؤالَه
وتزيد من نبراتها الهمسات
وامتدت الأيدي إلى النعش الذي
لمَّا يزل ترنو له الحفرات
فإذا به جِذْعٌ عليه مِلاءة
قد أُحْكِمَتْ مِنْ حوله الحشَواتُ
وإذا الجميعُ أمامَ خدعةِ ماكرٍ
عبستْ أمامَ ذهولِها القسماتُ
وتلفتوا مأمومُهم وإمامُهم
وسؤالُهم وجوابُهم نظراتُ
مَيْتٌ يُزَيَّفُ نعشُه ومهادُه
إذْ أَسكتتْ صوتَ الضميرِ جناةُ
ويفر أهلٌ مدَّعونَ ومدَّعٍ
دَيناً ويبقى الغبنُ والحسراتُ
ويَظلُّ في الأفقِ البعيدِ تساؤلٌ:
ماذا إذا ما أفلتَ النكراتُ؟!