* هناك موضوع المرأة: أحوالها، وظروفها، وماذا تريد، وماذا يريده المجتمع لها، ومنها.
* وهناك الحديث، عن (موضوع) المرأة، والكتابة فيه، والنقاش حوله أو حتى الاقتراب منه.
* الأمران مختلفان.
* وغالباً ما يستغرقنا ويُنهكنا (الحديث) قبل الوصول إلى (الموضوع)، وحتى إذا وصلنا إليه، وصلنا لاهثين مضطربين، فاقدي التركيز وربما مثخنين بالنّدوب، مثقلين بالشكوك، والاتهامات، والتصنيفات.
* ليست هناك قضية، ينشغل الناس عنها بالحديث فيها كموضوع المرأة.
* وليس هناك أمر نحوم حوله، ونستنفر مشاعرنا، ونتصلب بمواقفنا تجاهه قبل أن نخوض فيه كأمر المرأة.
* هذا أمر وتلك قضية يُطلق (الحكم فيه صفّارة) إنهاء المباراة قبل بدء اللعب ويُطرد اللاعبون من الملعب، قبل أن يلمسوا الكرة، ويستسلم الأطراف ويرفعون الرايات البيضاء قبل إعلان الحرب.
* لأن (المرأة) موضوع ملتهب حارق، تحكمه العواطف، والمواقف المُسبقة والتصنيف المتعجل للأفكار والأشخاص.
* ولأن المرأة موضوع حميمي شخصي للغاية لا يسمح المتناقشون لبعضهم بفترة انتظار وتأمّل وتدبّر يلتقطون خلالها حيثية جديدة أو معلومة طريفة، أو تحليلاً موضوعياً خارجاً عن المعتاد والمألوف في أذهانهم حتى ولو كان ذلك في الاطار الشرعي والمقبول، الذي تتحقق به المصلحة.
* لكن المرأة - موضوعا- موجودة ومتأصلة ومنتشرة ، وتزداد وجوداً وانتشاراً في الواقع الاجتماعي الجديد، ولن يفيدنا تجاهل هذا الواقع الجديد أو إنكاره أو التقليل من شأنه ولن يفيدنا التمني بالعودة إلى الأمس الرومانسي القديم بينما تغلبنا يوماً بعد آخر، الحقائق الجديدة ويهزمنا نكوصنا إلى الظلال الحالمة، المتلاشية، عن البحث في الأدوات والترتيبات الجديدة المحكومة بتصورات فاضلة نظيفة لكنها عملية وفاعلة.
* وعند الحديث عن الواقع الجديد والحقائق الجديدة عن المرأة نفتقد في الواقع مسحاً وطنياً شاملاً عن الحالة النسائية في بلادنا ،هناك إحصاءات متناثرة ومتناقضة ومبالغ فيها أحياناً لكن ليس هناك وصف توثيقي لوضع المرأة في مجتمعنا نعرف منه أحوالها ومواقعها وتنوعاتها وظرفها الاجتماعي والاقتصادي ولذلك قد تفاجئنا التغييرات المتراكمة - كمياً - خلال الثلاثين سنة الماضية لتفجر في وجوهنا قفزة نوعية في العلاقات الاجتماعية لا نعرف كيف نتعامل معها.
نجلس في المقعد الوثير، المريح، ونتظلل بالعرائش الحالمة، ونعتلي المنابر العالية، ونأخذ بتلابيب (الميكروفونات) المدوّية لنتحدث عن المرأة ماذا نعطيها، أو نأخذ منها؟ ما نسمح لها به وما نمنعها عنه؟ ما الذي نشركها فيه أو نحجبها عنه؟ ماذا نُسبغ عليها، وماذا نُحرمها منه؟ ونحن نفعل ذلك، كأن المرأة لا تزال في الخدر الحالم القديم، أو كأن واقعها الجديد صلصال طري مرن قابل للتشكيل، وإعادة التشكيل متغافلين عن التطورات الكثيرة والكبيرة، التي خلقت ظرفاً اجتماعياً واقتصادياً جديداً، تشكّل وجفّت (خرسانته) وتصلبت عظامه، وامتدت أساساته وأعمدته.
* إذا شرعنا، في التعامل مع هذا الوضع المتشكّل بتصورات قائمة على الفرضيات القديمة المتلاشية فسنضطر إلى (الكسر) و(الهدم )و(الاقتلاع)، وتحويل (المكان)إلى (مخلفات) و(خرائب).
* الحالة النسائية في بلادنا تمثل واقعاً اجتماعياً وثقافياً جديداً، نزل على البعض منّا فجأة، ولاحظ بعضنا تطوره وانبثاقه عن كثب، ولكننا لم نأخذ بزمام المبادرة الواعية في التعامل معه بمفاهيم، وأدوات جديدة وفاعلة يتطلبها مجتمع مسلم، فاضل، نظيف، حريص على حالة نسائية فاضلة، ونظيفة وفاعلة.
* هذا حديث عن (موضوع) المرأة وقد انشغل هذا الحديث بنفسه عن (موضوعه)، كالعادة وسنظل منشغلين بالحديث متشاغلين عن (الموضوع)، كأن الزمن أعطانا عهداً، وميثاقاً بحل مشاكلنا الحقيقية، بينما نغط في سبات عميق، أو نتسامر بالحديث اللذيذ.
* نخشى،أن يفاجئنا النساء، غداً، ب(زغاريد) انتصارهم على غفلتنا أو صرخات حزنهم على (خيبتنا) نحن الرجال، الأشاوس، الصناديد.
|