عرف العرب نقل البريد، واهتموا بدواب نقل البريد، حتى قيل انه عمد لقطع ذيول دواب نقل البريد تمييزاً لها عن غيرها لتعرف في الطريق فلا تؤخر عن مواصلة رحلتها، بصدها عن طريقها أو التعرض لها بالأذى! ولعل الأستاذ محمد حسن عواد رئيس جمعية الرفق بالحيوان في جدة لا يوافق على قطع ذيول الحيوانات. لقد مضى الوقت الذي كانت تنقل فيه الرسائل على الدواب أو كاد، واستعيض في وقتنا الراهن بنقل البريد على الطائرات وعلى السيارات، وسوف يأتي وقت يستعيض الناس فيه عن رسائل البريد بالهاتف، وربما الهاتف المصور! ونحن أمة تساير الحضارة فاذا ما أخذ الناس بأساليب جديدة ومعدات حديثة لنقل البريد والاتصال أخذنا بما يجد من آلات وأساليب، لأننا أمة يقظة متطورة أو هكذا يجب ان نكون ! لسنا مع الواقفين، ولا مع الجامدين، ولا مع المبهورين بأنوار العلم والحضارة ولا مع المتفرجين على الركب المتحفز السائر في معارج الصناعة، ولعل معاوية بن أبي سفيان الأموي في مقدمة من عنوا بنقل البريد. أما هل كانت الرسائل الخاصة والتجارية تنقل على دابة البريد الرسمي؟ فهذا ما لا أستطيع الإجابة عليه! ولعل غيري ممن يعنون بالتاريخ الاسلامي يتحدث عن ذلك.
لقد أدركت الناس، بل وما زالوا يعتمدون على بعث رسائلهم مع أصدقائهم ومعارفهم إلى ذويهم وأصدقائهم وعملائهم في التجارة،وهذا الطريق الذي يسلكه الناس ويعتمدون عليه في نقل رسائلهم الاخوية التجارية لا أشك انه أسلوب قديم قدم العربي على أرضه ودياره، يوم عرف الكتابة على الرق والورق، ووسائل الكتابة القديمة والحديثة، ولقد لاحظت ان رسائل البريد تتأخر ولهذا يعمد الناس إلى الاستقرار في بعث رسائلهم مع السيارات، رغم ان مصلحة البرق والبريد ترى ان من حقها نقل رسائل البريد. ولقد كان المسافر يستقبل رسائل الناس يذهب بها معه إلى حيث هو مسافر، فإذا ما وصل وعلم الناس بوصوله ذهبوا إليه للسلام عليه، وأخذ ما معه من رسائل لهم، وهو بدوره يفرغ نفسه وقتاً لتوزيع رسائل الناس أو يكلف من يوزعها، أو يتطوع من يقوم بتوزيعها حسبة لله وقضاء لحوائج اخوانه. إلا ان أحوال الناس تغيرت ووجد أصحاب سيارات غرباء لا نعرفهم ولا يعرفوننا، فصار منهم من يطلب أجرة إيصال الرسالة من الرياض إلى بريدة، مخالفين بذلك عادات الناس وتعاونهم! ولعل لهم عذرا من حرصهم على تسديد أقيام سياراتهم. انني أرى ان تهتم وزارة المواصلات في أمر نقل البريد وتوزيعه بين الرياض وبريدة. ان الناس لا يتركون إيداع رسائلهم بالبريد، ويعمدون إلى دفع خمسة ريالات أجرة نقل رسالة من الرياض إلى بريدة لصاحب سيارة أجرة الا لأنهم يرون رسائلهم تتأخر، مع انني أعرف ان وزارة المواصلات تخسر مادياً في بعض مراكز البرق والبريد في البلدان الصغيرة والقرى والدولة من جانبها لم تبخل بالمال فقد وضعت طائراتها في خدمة المواطنين تنقل رسائلهم في الداخل إلى مطارات المدن الكبيرة كالرياض وبريدة وجدة وجازان وأبها والاحساء، بل والى مطارات في بلدان صغيرة كالسليل. وقد تخسر الدولة مالياً في بعض رحلات طائراتها. وإذا كانت الدولة تخسر في مراكز البريد والبرق في البلدان الصغيرة وتخسر في رحلات الطائرات فانها تقدم خدمة للمواطنين، بل وغير المواطنين ممن يفدون إلى هذه الديار ولهم إقامة ومصالح فيها. ان وجود طائرة تقوم برحلة يومية بين الرياض وبريدة يعطي دليلاً على توفر وسائل نقل البريد بين بريدة وغيرها من بلدان المملكة، فمن أين جاء تأخر وصول الرسائل إلى أصحابها؟ وهل التأخير من التوزيع وهل الموزعون في دوائر البريد في بريدة والرياض قليلون أم تنقصهم وسائل النقل السريع؟ انني لا أعرف عدد الموزعين في دوائر البريد في الرياض وبريدة ولا أعرف طاقة كل موزع في مجال توزيع الرسائل، ولا أعرف محيط دائرة اختصاص الموزع في المدن الكبرى كالرياض وعواصم الأقاليم كبريدة وأبها، ولكن الذي ألمسه ان البريد لا تصل الرسائل عن طريقه لأصحابها الا متأخرة، وهذا ما لمسته بنفسي من قبل. وكأنني بوزارة المواصلات تطالبني بدليل مادي أقدمه بين حروف هذا الكلام الذي لم أقصد به الا خدمة المصلحة العامة. ويمكن المتتبع لوضع البريد ونقله وتوزيعه ان يراقب باستمرار الختم المؤخر الذي يستعمل من مركز التصدير والختم المؤرخ الذي يستعمل بوضعه على ظرف الرسالة من قبل مركز التوريد. والختمان ذو التاريخ إذا استعملا بدقة وأمانة يقومان دليلاً مادياً على وقت ختم الرسالة بمركز البريد المصدر ومركز البريد المورد ويثبتان أيضا تأخير الرسالة لدى الموزع أو في مركز البريد المورد. ومن الواجب ان يقوم مراقبو البريد بمراقبة دقة استعمال الختم (ذي التاريخ). والمواطن وغيره اذا وجد ان الرسالة ستصل إلى المرسلة إليه في وقت يتفق ووجود طائرة نقل البريد فسوف يلجأ إلى مكاتب البريد يودعها رسائله يسلمها وهو مطمئن إلى سلامة الإجراءات التي تسير عليها دائرة البريد في نقلها وتوزيعها، دون تأخير. أما إذا كنا نلمس التأخير ونرى مصالحنا تتضرر من تأخير رسائلنا بالبريد، على حد تعبير أي مواطن، سواء كان التوزيع بدائرة البريد أو في حقيبة الموزع فاننا نلجأ إلى أصحاب سيارات الأجرة ليوصلوا رسائلنا ويأخذوا أجرة الرسالة مضاعفة عشر مرات. وقد لا تكون الرسالة هامة في بعض الأحيان, ولكن سائق سيارة الأجرة يصر على طلبه خمسة ريالات للرسالة الواحدة. وهكذا عطلنا مهمة البريد من حيث نشعر أو لا نشعر . ونمد أيدينا لنصافح من لا نعرف ثم نسأله هل يعرف صاحب الرسالة المرسلة إليه؟ فإذا قال انه يعرفه بدأنا نرجوه ان يوصل إليه رسالة. انه لا بد من عمل الاحتياطات اللازمة وتوفير الإيدي العاملة في مراكز البريد لكي يؤدي البريد واجباته التي أسس من أجلها، ولكي تسهم وزارة المواصلات بدفع عجلة الحضارة والاقتصاد في بلادنا إلى الأمام. ان وزارة المواصلات مرفق عام، أو هي وزارة تؤدي خدمات في مرافق عامة، أو هكذا يجب ان تكون ليشعر المواطن انها تعمل لصالحه كما يجب ان تعمل، أما الأسلوب القديم في نقل الرسائل فذلك اسلوب مضي وقته قبل ان تضع الدولة طائرات لنقل البريد وتوفير مراكز البريد في المدن والقرى، وتعهد إلى موظفيها باستقبال رسائل المواطنين في مراكز البريد. وبعد فهل يأتي اليوم الذي تسلم فيه رسالة بمركز بريد بريدة فتسلم إلى صاحبها في الرياض أو في جدة في نفس اليوم؟ ان ذلك اليوم ليس ببعيد.
|