يعتبر اللعب طبيعة فطرية في الطفل جعلها الله غريزة في نفسه تساعده في تنمية وبناء الجسد والعقل بشكل طبيعي، فقد يكون اللعب عند الكبار لملء الفراغ أو التسلية، ولكنه بالنسبة للطفل عمل مهم جدًّا وضروري له على كافة المستويات العقلية والنفسية والجسدية والاجتماعية والاخلاقية، فاللعب هو حياة الأطفال، حتى في أشد حالات المرض نجد الطفل في أقصى طاقات اللعب والانغماس فيه ناسياً آلام المرض سابحاً في عالم اللعب الخاص به. ومن هنا فاللعب إحدى الحاجات الاساسية للنمو الطبيعي لدى الطفل، فهو نشاط حيوي يساعد الطفل على النمو الطبيعي، وليس مضيعة للوقت كما يعتقد الآباء، وخصوصاً في مرحلة ما قبل المدرسة؛ لأن هذا اللعب هو اللبنة الأساسية في العملية التعليمية والتربوبة في باقي حياته المستقبلية. إن اللعب يبدأ عند الاطفال عندما تتفتح عيناه على الدنيا، فهو يلاعب نفسه ويناغيها ويسعد حينما يلعب معه الأهل حتى وهو لا يزال رضيعاً، أليس هذا ما يدل على أهمية اللعب؟!
وفي هذا التقرير يتطرق د. عزت عبدالعظيم (استشاري الامراض النفسية بمستشفى الحمادي بالرياض، استاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق) إلى أهمية وفوائد اللعب، ويقدم د. عبدالعظيم نصائحه إلى الآباء في هذا الشأن الحيوي.
بداية يلخص لنا د. عزت عبدالعظيم فوائد اللعب في النقاط التالية:
1 - الفوائد الجسدية: حيث إن اللعب ضروري لنمو العضلات وتنشيط الدورة الدموية.
2 - الفوائد التربيوية والإبداعية: حيث إن اللعب يفتح الباب أمام الطفل للتعلم من خلال أدوات اللعب المختلفة والتي تؤدي لمعرفة الطفل للأشكال المختلفة والألوان والاحجام والملابس والحصول على المعلومات المفيدة والمتنوعة من خلال اللعب، كما تفجر في الطفل طاقات الابتكار والابداع وتجريب الافكار والاختراعات أحياناً، والتي تنمي الذكاء والقيم المهارية والفكرية لدى الطفل.
3 - الفوائد الاجتماعية والأخلاقية: فاللعب يعلِّم الطفل كيفية بناء علاقات اجتماعية مع الآخرين وتكوين صداقات ناجحة من خلال التعامل الذكي والمثمر مع الآخرين وغرس القيم الاجتماعية الإيجابية؛ كالتعاون والانتماء والانخراط والتفاني من أجل الجماعة، كما أن اللعب يسمو بالقيم والمفاهيم الأخلاقية لدى الطفل؛ مثل الصدق والأمانة والحب والتسامح والتحلي بالروح الرياضية وضبط النفس والذوق والعدل من خلال مفهوم الخطأ والصواب والفوز والهزيمة والأخذ والعطاء أثناء اللعب.
4 - الفوائد الذاتية: حيث إن اللعب يجعل الطفل يكتشف ذاته ويتعرَّف على قدراته ومواهبه ومهاراته من خلال تعامله مع زملائه وأقرانه ويجعل الطفل يحدد ذاته وهويته ويتعلَّم كيف يواجه مشاكله ويتغلب عليها ويعمل على حلها من خلال غرس روح المثابرة والإصرار والصبر.
5 - الفوائد النفسية: قد كان يعتقد أن اللعب يجعل الطفل هادئاً أثناء النوم نتيجة لامتصاص طاقته الجسدية اثناء اللعب مما يجعله ينام نوماً هادئاً، ولكن الأمر أكبر من ذلك، فاللعب يحفظ الطفل من المعاناة النفسية، حيث يزيل ما بداخله من توتر وخوف وخجل وانطواء ويدخل على نفسه المرح والسرور ويجعله يتخلص من الكبت والقيود والأوامر والنواهي المفروضة عليه داخل المنزل، وهذا التنفيث من الكبت يحمي الطفل من المعاناة النفسية، وبالتالي فاللعب احد أهم عوامل الاستقرار النفسي لدى الاطفال.
كما يقدم د. عزت عبدالعظيم عدداً من النصائح للآباء في مسألة اللعب على شكل النقاط التالية:
1 - يسمح للطفل باللعب مع إخوانه وأقاربه وجيرانه وزملائه في المدرسة أو النادي ممن يتصفون بالأخلاق الحميدة الطيبة وممن في مثل سنه تقريباً، ولا يسمح له باللعب مع الكبار، وخصوصاً الأبوين أو المدرسين أو المدربين في النوادي، وهذا ما يشجع الطفل على الطاعة والالتزام وتنفيذ التوجيهات مع اكتسابه الثقة بالنفس.
2 - يسمح له بالألعاب البسيطة والتي لا تؤذي الطفل، ولا يشترط ان تكون من الانواع الغالية، أو بممارسة الألعاب الرياضية كالسباحة وألعاب القوى والكرة وألعاب الدفاع عن النفس مثل الكراتيه والمصارعة مثلا، وكذلك الألعاب الترفيهية كمسابقات السرعة والقوة والألعاب الذهنية والتعليمية مثل الفوازير ولعبة السلم والثعبان وترتيب المكعبات وتلوين الرسوم وخلافه، وبفضل اللعب الجماعي أو التنافس فيما بينهم، لكن يجب منع الطفل من الألعاب التي لا تفيده بدنياً أو ذهنياً والتي قد تؤذيه مثل اللعب بالبلي أو زجاجات المياه الغازية أو اللعب بالطين أو اللعب العنيف المؤذي للحيوانات والطيور، وكذلك أيضاً ألعاب الفيديو جيم والأتاري من حيث إنها نوع من القمار ولا تفيد النمو العقلي السليم وتؤثر على الطفل نفسياً من خلال الألعاب العنيفة مثل المطاردات والقتل والتي قد تجعله طفلاً عدوانياً.
3 - يسمح للأطفال باللعب في الأماكن الآمنة وبإشراف الأهل أو ممن نثق في متابعتهم للأطفال، ويسمح لهم باللعب بحرية وتحمل ما يحدثونه من ضوضاء، لكن دون إزعاج للآخرين ومحاولة الإقلال منها قدر الإمكان, يجب على الآباء الامتناع عن تعنيف الطفل وعقابه اذا اتسخت ملابسه، أو إضفاء الحماية الزائدة من خلال إحكام فرض القواعد والسيطرة على تصرفاتهم اثناء اللعب وتقييد حرية الطفل ومنعه من الحركة والتنطيط والجرى لأن هذه الأمور مطلوبة في لعب الأطفال حتى تكون الفائدة منه أفضل وحتى لا نصيبهم بالإحباط والضيق والكبت.
4 - السماح للأطفال باللعب في أوقات مخصصة لذلك حتى في فترات الدراسة؛ لأن اللعب يجدد النشاط البدني والذهني للطفل ويجعله يتخلص من الملل ويقبل على الدراسة بصدر رحب وذهن متفتح، ولا يجب حرمان الطفل من اللعب في فترات الدراسة وإجباره على المذاكرة المتواصلة وفرض القيود عليه وحرمانه من متعة اللعب مما يجعله يمل ويسأم من المذاكرة ويصاب بقلة التركيز وضعف الذكاء والكبت والإحباط والسلوك العدواني والتأخر الدراسي رغم إرغامه على المذاكرة المتواصلة والتي لا تعود بفائدة مثمرة، ولهذا يجب تخصيص أوقات محددة كل يوم ساعة أو اثنتين على الأقل للعب الحر أو الجماعي ومرة أسبوعياً على الأقل حتى يبدأ الأسبوع الدراسي بأداء جيد بعد هذا التنشيط الدوري الاسبوعي.
خلاصة القول هو أن اللعب حياة الأطفال وأمانيهم ومتعتهم الجميلة.. فدع طفلك يلعب ويمرح ولا تحرمه من ممارسة حقه في اللعب المفيد حتى لا يبدأ حياته طفلاً مكبوتاً محروماً معقداً يعاني مرارة الاضطراب النفسي فيما بعد, وبدلاً من أن يكون لسان حاله (ليت الشباب يعود يوماً) يصبح (ليت الطفولة تعود يوماً) ليستمتع بالبراءة والفطرة واللعب المباح. ليتهم يعيشون طفولتهم الحقيقية من البداية ولأجل مستقبل سعيد.
|