يقول أحد المتخصصين في علم النفس: إن مدرجات الملاعب هي عبارة عن عيادات نفسية مفتوحة، ويضيف ان الجماهير في الملعب تتخلص من الكثير من التزاماتها الأدبية وتنفك من قيودها الاجتماعية لتقوم بتصرفات وتتلفظ بألفاظ تعتبر ماركة مسجلة لجمهور المدرجات وتراث توارثته أجيال المشجعين!
الجُمل التي يتلفظ بها الجمهور، والسلوكيات التي يفرزها ويديرها العقل الجمعي ما هي إلا تنفيس عن ضغوط الحياة قياساً إلى ذلك الرأي النفسي. الكثيرون في الملعب يطلقون لألسنتهم العنان وأمامهم اثنا عشر شخصاً في الملعب يعتبرون هدفاً مشروعاً لهم فعدد فريق الخصم احدى عشر بالإضافة الى الحكم الذي يتم تخصيص عبارات من النوع الثقيل تتناسب ومكانته وأهميته في الملعب!! وبناء على هذه الأهمية فإنه يستحق ان يكون هدفاً لشتى أنواع الألفاظ والشتائم، حتى ذات الدمار الشامل!
الجماهير الرياضية في الملعب لها تحولات سريعة من حال إلى أخرى، فقبل بداية المباراة ؛ الكثيرون (يقزقزون) الفصفص ويقذفون بالقشور على ظهور من أمامهم، إلى هنا والأمر عادي وتعبير بدائي عن التوتر وهو عادي قياساً بما سيحصل بعد أن يطلق الحكم صافرته. وسط هذه الجموع التي تبحث عن متنفس لمخزونها من (السب والشتم) لا أنصح أي شخص بأن يقف منبها إلى أن تلك التصرفات غير لائقة! وإن فعل فكما يقولون (ذنبه على جنبه)!!
مدرجات الملعب المترامية الأطراف تحتضن الكثيرين من الذين يعانون، وهم لا يجدون مكانا أفضل من الملاعب لتفريغ كل ما لديهم من مخزون لا يمكن البوح به في الأماكن العامة وأمام الأبناء والاخوة والأصدقاء، في الملعب يمكن للكلام البذيء أن يصبح مشروعاً جماعياً تتوحد فيه الجماهير، ترقص، وتغني وتنشد الأهازيج والشعارات الرياضية وتنطلق حناجرها بصوت واحد ضد لاعبي الخصم أو الحكم! ومن هنا فإن اللاعبين والحكم يؤدون دوراً مهماً للمجتمع خاصة لتلك الشريحة التي تعاني من مشاكل نفسية أو اجتماعية، فمن خلالهم يتخلص أولئك من شحناتهم ومخزونهم ويعبرون عن أنفسهم!! الجماهير ترى ان كل الأهداف في فريقها تسلل وكل الفاولات غير صحيحة وضربات الجزاء ظلم بين والحكم لا يحتسب لهم الوقت الاضافي؛ لذا فهو يضع نفسه في مرمى النار وتبدأ الحناجر بإطلاق قذائفها عليه.
ويشارك رؤساء الأندية في تزويد المشجعين المتعصبين بما يعينهم في رحلة التشجيع حيث يقودون بأنفسهم الحملات ضد نادي ولاعبي الخصم، لذا تأتي عباراتهم موزونة وفي الصميم وتكون بمصاحبتها أدلة (دامغة) تؤكد صحة ما ذهبوا إليه! وبعض الصفحات الرياضية تقوم بنفس الدور الذي يقوم به المدرج وان كانت بشكل أقل، فما يكتبه الصحفيون وما يصرح به رؤساء الأندية عقب المباريات تريح الجماهير التي تجد فيما يقال ويكتب تخفيفا لمعاناتها وانهم أدوا (المهمة) بدلا عنهم، رؤساء الأندية الذين يجب ان يكونوا قدوة (وطنية) للشباب خاصة فيما يتعلق بإحقاق الحق والاعتراف بالهزيمة وتقديرجهد الآخر، الكثير منهم بعيدون عن ذلك فهم لا يرضون بالهزيمة الواضحة وضوح الشمس، وهم لا يتواضعون عند الفوز ولا يبتسمون عند الهزيمة، بل ان بعضهم لم يشاهد مبتسما ولا مرة واحدة على كثرة الهزائم التي يتعرض لها فريقه! وباعتبار ان غالبية الجمهور من الشباب فرؤساء الأندية والصحفيون يربون فيهم التعنت، وعدم الاعتراف بالخطأ، واستخدام أساليب غير حضارية في التعبير بالإضافة إلى انه لا قبول للآخر لديهم حتى وان كان ذلك الآخر أخاً أو قريباً!! المدربون الذين زادت ثرواتهم الشخصية هم شماعات رؤساء الأندية، وهم (رايحين جايين) وخزينة النادي هي الضحية الحقيقية، هذا بالرغم من ان التصريحات (النارية) بعد المباراة تؤكد ان الحكم هو السبب الوحيد والحقيقي للهزيمة المنكرة التي تعرض لهاالفريق وبعد يومين يقال المدرب! ليذهب إلى بلده ومعه عدة ملايين أو مئات اآلاف من الريالات (حلال بلال) ليأتي المدرب الآخر الفلتة والمنفذ والعالمي ولكنه (يطرد) أيضا بنفس الطريقة محملا بالملايين جزاء له واغراء لامثاله!!
وبالعودة إلى المدرجات نجد ان الاندية الرياضية ومباريات كرة القدم لها دور مهم في الصحة النفسية لبعض الجماهير! وإذا عرفنا ان نسبة المرضى النفسيين في ازدياد في مجتمعنا حتى انه لم تعد تكفيهم العيادات النفسية ولا الاسرَّة الموجودة مما جعلهم يقضون أوقاتا عصيبة بلا علاج في بيوتهم، لهذا فأنا أطالب بزيادة المباريات وان يكون الدخول مجانا خاصة لمن يثبت انه بليغ في قاموسه اللفظي تجاه الخصم والحكم فهذا دليل على انه (رايح وطي) وان معاناته النفسية حقيقية كما أرى ضرورة تأليف كتاب يحتوي على كل الألفاظ (المدرجاتية) حفاظاً على هذا التراث الرياضي العريق سواء تلك التي يدلي بها رؤساء الأندية أو التي ينطق بها جمهور المدرجات، والهدف هو اثراء مكتبة التشجيع الرياضي وأيضا التسهيل على الجمهور من فئة (الناشئين) ليتمكنوا من ممارسة دورهم على بصيرة في التلفظ على اللاعبين والحكام وبالتالي تخفيف معاناتهم النفسية.
|