* وأسأل الأستاذ زيادة: ماذا يعني بالخلاف بين الحجاج وابن الزبير، الذي ساقه على وجه الغلاف!؟.. إن الذي ساقه المؤرخون في هذا الموضوع، أن ابن الزبير خرج عن بيعة الخليفة، وأراد أن يكون له حكم في الحجاز منفصلا عن الخلافة، وهذا ما دعا الخلافة إلى حصار ابن الزبير في مكة للقضاء عليه إن لم يتراجع عما هو فيه.! هذا في رأيي جوهر القضية.. إذاً ليس الموضوع ببساطة، فيوصف بخلاف ين رجل ورجل كما قال المؤلف، والحجاج أرسله الخليفة لحسم القضية لاستتباب الأمر في جزء مهم من امبراطورية بني أمية، وقارئ مثلي أكبر الظن أنه سيكون رأيه كما رأيت أنا.!
* قد يقول هزاع الشمري، وهو لم يقل، ويقول محمود زيادة، إن الحجاج أمر أن يقضي على الفتنة في الحجاز إذا لم يتراجع ابن الزبير ولم يستجب لإيقاف النزاع والشقاق.. ونقف أمام واجهتين أو قل ممارسة سلكها الحجاج لينهي الأزمة والقتال وحصار أم القرى بما فيها المسجد الحرام، وقد طال الحصار الذي بلغ نحو ثمانية أهلة، ولعل الجند سئموا تلك الحال، وحسم الأمر قضية لا محيد عنها وأنا مع الحسم، لأنه لا يجوز ترويع الناس لاسيما في البلد الحرام، وطول الحصار الذي يفضي إلى الفقر والجوع والبؤس.. ونقرأ في التايخ الذي لا أسلم بالكثير فيه، وهذا كذلك رأي غيري من المؤرخين والمتعمقين في القراءة، أن الجزاف وعبث الرواة والاختلاق كثيرا جدا.. يقول المؤرخون إن الخليفة عبدالملك بن مروان بعث برسالة إلى الحجاج وهو بمكة في حصار المدينة المقدسة، يأمر الخليفة قائد الحرب ألا يستعمل المنجنيق في مكة.. وأنا أصدق هذه الرواية لأن الخليفة يدرك مكانة مكة، وأن اطلاق قذائف المنجنيق على البلد وساكنيه والكعبة، وإن كان ابن الزبير احتمى بها.. إذاً الخليفة ضد استخدام المنجنيق للقضاء على ابن الزبير، لأن أضرار هذا السلاح أبعد من القضاء على المعارض المتمرد.. لكن الحجاج المحارب المقاتل بحساباته لا يرى أن رأي الخليفة سيحل القضية في أقرب وقت، والمحارب رغم حساباته وخططه، يريد أن يفرغ من مهمته وأداء رسالته، وهذا ما اختار الحجاج، فنراه بعد تلقي رسالة الخليفة وقراءتها، يرمي بصرة من المال إلى رسول الخليفة ويقول له: اختف عن الأنظار، كأني لم أرك ولم ترني، ونفذ الحجاج ما خطط وأراد، لا عصيانا لأمر الخليفة، ولكن لأن الموقف يقتضي الحسم السريع، مهما كانت المخالفة والنتائج، لأن الهدف هو النصر والقضاء على الفتنة، وليس مهماً الثمن الذي دفع أو سيدفع لاحقاً.!
* إن الدكتور محمود زيادة، يقول في مقدمة كتابه في السطور الأولى:(إن العصر الأموي لم ينل حقه من الإنصاف وخاصة الحجاج بن يوسف الذي وصف بكل رذيلة وجرد من كل فضيلة).. في تقديري أن هذا كلام إنشائي بدأ الكاتب به مقدمته، لكن الحقيقة أن العصر الأموي نال نصيبه من الدرس والبحث منذ قرون وخاصة حين نشأ التأليف وكتابة التاريخ.. أما عن الحجاج كما قال الكاتب، فأنا أرى أن المؤرخين أعطوه حقه من الوصف في الحالين، وإذا كانوا قد قصروا وفيهم أفذاذ مثل ابن خلدون ومن إليه، فنحن في العصر الحديث واجدون من أنصف وينصف الرجل، ومنهم الأستاذ هزاع الشمري وصاحب الأطروحة التي بين يدي، التي أحاول أن أحاور صاحبها.. ولا أدري هل السيد محمود زيادة يريد من المؤرخين أن يكيلوا الثناء للدولة الأموية والقائد الحجاج بالحق وبالباطل، فهذا منطق غير سوي، وقد فعل الدكتور محمود زيادة ما لم يفعله الآخرون من الدفاع عن الحجاج دفاعاً تجاوز الحدود، وربما كان مرد ذلك إعجاب الكاتب بهذه الشخصية، لا أقول القتالية، ولكنها تخطط للحرب والقادة والجنود يؤدون ما يطلب منهم من ضروب القتال في الجبهات وأصقاع الأرض؛ مستعملين مهاراتهم وشجاعتهم.. ولدي كتب أخرى كلها تتحدث عن الحجاج لكتاب مختلفين، أرجو أن يتاح لي قراءتها والوقوف على ما اهتم به مؤلفوها.. ولن أعيد أو أقول جديدا، إلى أن التاريخ في مجمله -مع أو ضد-، بالإضافة إلى الزيف والدس ومكر الليل والنهار وعبث الرواة وترهاتهم وأباطيلهم وزورهم.!
|