ثمة سؤال مهم جدا بات يتراءى أمام المعنيين بشؤون التعليم في مراحله المختلفة: ما السبب الحقيقي وراء تناقل عدد من فئات المجتمع المختلفة مشاعر الاستياء من طول مدة الفصل الدراسي والتذمر من انه لا يتخلله إجازة عيد أو ربيع مثلا؟ عدد من الأوساط الأسرية تتفق - ربما - مع أن هذه المشاعر موجودة وأن التصريح بها يكون بين الفينة والفينة سيما في الاسابيع الأولى للفصل الدراسي. إنني أعتقد أن الإجابة عن هذا التساؤل تتطلب نظرة فاحصة معقدة جدا، ذلك أنه من المهم التفكير في عناصر عديدة تتركب منها مكونات ودوافع الناس للذهاب هذا المذهب. شيء من تلك العناصر متاح للتداول، وأظن أن منها ما تغلغل في أعماق النفس البشرية بشكل بات معه خاصا جدا، وغير معلن لأسباب مجتمعية في المقام الأول. لعل الأسباب الظاهرة لهذا الهاجس لدى الناس تتمحور حول وجود شعور ما بعدم تعبير العملية التعليمية عن واقع الناس، وضعف تحقيقها لرغباتهم وتطلعاتهم، وافتقارها - بشكل عام - إلى عناصر مهمة للجذب والتشويق، وهي ايضا عملية قد لا تحقق مخرجاتها استجابة لمتطلبات أسواق العمل في القطاع الخاص بشكل محدد، وهو القطاع الذي بات يطلب منه أكثر من أي زمن مضى أن يستوعب تلك المخرجات الجامعية والتخصصية. قد يشعر بعض الناس بكل ذلك من خلال إجراء مقارنة سريعة بين الحال في هذا الزمان، والحال ( أيام زمان) يوم كانت المؤسسة التعليمية هي المصدر الأهم و - ربما - الأوحد للمعلومات والمعارف الإنسانية.. اليوم.. تعددت مصادر التعلم والمعرفة بالقدر الذي أصبحت معه المؤسسة التقليدية للتعليم بين مقصلتين: الأولى، ضعف قدرتها - رغم ما تبذله من جهود - على منافسة الوسائل الأخرى التي تفوقت بعناصر الجذب والتشويق، واستقطعت اجزاء كثيرة من ساعات اليوم والليلة. الاخرى: البطء الشديد في آليات الاتساق مع متطلبات التغير الاجتماعي، بالنسبة للمؤسسات التعليمية، في حين تتسابق الوسائل الأخرى والتقنية - بشكل خاص - على كسب التجانس مع أي تغير اجتماعي، إن لم تكن هي المحرك الأساس لهذا التغير. ومن هنا - ربما ضعف الحماس لدى عدد من فئات المجتمع، وقل لديهم الاندفاع لأيام التعلم والدراسة ظنا منهم أن ما سوى المؤسسات التعليمية من وسائل المعرفة يمكن أن يقوم بالمهمة. وفي هذا عبء كبير على عاتق مؤسسات التعليم بأن تكون أقدر على جذب اهتمام الناس وانتمائهم للمؤسسات التعليمية، وهي المؤسسات التي ينبغي أن تكون الأكثر كفاءة والأبلغ اثرا. إنها الرسالة الأهم التي تواجه مؤسسات التعليم المعاصرة.
ربما أُتِينا من أننا غفلنا عن السعي الحثيث والمستمر لتنسجم مؤسسات التعليم مع طبيعة التغير الكبير الذي حدث في تقنية الاتصال والمعلومات، فأحدث بالضرورة تغيرا في أنماط التفكير لدى الناس، وكذلك في أنماط تلقي المعرفة والمعلومة، وأذكر أنني قد بعثت لمقام وزارة المعارف عام 1996م ( التربية والتعليم حاليا) رؤية مفادها أن جيل البث التلفزيوني المباشر يدخل المدرسة هذا العام، وكنت اقترح أن يتسق اسلوب التعليم ونقل المعرفة للتمليذ مع متطلبات المرحلة الاتصالية التي عاشها، وقد اسعدني خطاب لطيف للشكر والإفادة بأن الموضوع قيد الدراسة. لعل تلك الدراسة لم تنته بعد!!، حيث لو كانت انتهت، فلربما لم نعد نسمع من يتذمر من أن الفصل الدراسي طويل وممل.
(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|