إعداد وحوار: خالد الحمود المنسق الإعلامي في المركز
تعتبر تقنية (اليزاروف) إحدى التقنيات الحديثة وذات التأثير العلاجي المناسب والأمثل والتي أحرزت تقدما طبياً عالياً في علاج كسور العظام على مستوى العالم، ولقد أثبتت نجاحها في علاج الكثير من الحالات الخلقية والمكتسبة بفعالية عالية، إضافة إلى مناسبتها لمختلف المراحل العمرية.
ولا سيما أن هذه التقنية تدخل في علاج أحد أكثر الأمراض والإصابات شيوعاً في العالم وهي إصابات العظام، حيث شاعت العمليات الجراحية التقليدية التي قد تؤثر على صحة وسلامة المريض، ويزداد الأمر خطورة في حالة انعدام وسائل التعقيم الحديثة وغياب التجهيزات الحديثة وكذلك الكفاءات الطبية المؤهلة وذات الخبرة العملية والعلمية. وللتعرف على المزيد من مزايا هذه التقنية أجرينا هذا الحوار مع الدكتور عامرعثمان بيك (بريطاني الجنسية) استشاري العظام بالمركز وذو الخبرة الكبيرة في العمليات التي تستخدم فيها تقنية (اليزاروف)، وسنلقي الضوء هنا على أبرز الحلول العلاجية التي تقدمها تقنية اليزاروف في مجال تشوهات وإصابات العظام.
******
علاج الملايين من الحالات.
* دكتور عامر.. في البداية حدثنا في نبذة تاريخية موجزة حول تقنية تقويم العظام (اليزاروف)؟
- تعتبر تقنية اليزاروف لترميم وبناء العظام أحد فروع التخصص المهمة في جراحة العظام، وقد قدمت هذه التقنية أفكاراً مهمة وحديثة في خيارات علاج العظام، حيث تم اختراعها من قبل الطبيب جيفرل إيه اليزاروف عام 1951م في كركون سيبيريا، ولم يقم باختراع وتطوير تقنية المثبتات الدائرية فقط، بل قدم العديد من المفاهيم المهمة والحديثة في مجال علاج العظام والأنسجة اللينة، ثم انتقلت هذه التقنية بعد ثلاثين سنة من روسيا إلى أوروبا، ومن ثم إلى جراحي العظام الإيطاليين، والذين كانوا من أول الجراحين الذين سافروا إلى روسيا للتدريب على هذه التقنية. وأخيراً اهتم بها جراحو العظام بأمريكا، الذين قاموا بتطويرها على نحو أفضل، حيث تتألف من عدة قطع معدنية متعددة الوظائف يمكن تركيبها بطرق مختلفة تلائم طريقة العلاج ومتطلباته، كما تتميز بتحمل الوزن الزائد للمريض، ثم انتشرت هذه التقنية من خلالهم إلى جميع أنحاء العالم، وتم من خلالها علاج الملايين من الحالات التي تحتاج إلى هذه التقنية بنجاح، ورغم انتشارها إلا أن تواجدها والاهتمام بها في المراكز الطبية لدول العالم الثالث وبخاصة الدول العربية يعتبر قليل جداً.
استخدام المثبت الدائري الخارجي
* وما هي الاستخدامات الفعلية لهذه التقنية؟
يتم استخدام تقنية (اليزاروف) بشكل واسع لعلاج كافة حالات كسور العظام، وخصوصاً المعقدة والمستعصية، والتي فشلت الطرق التقليدية في علاجها، وتعد هذه التقنية فرعاً تخصصياً في علاج وتقويم العظام، لذلك فهي تتطلب جراحاً متمكناً ومتمرساً في استخدام هذه التقنية، ولهذا السبب فهي موجودة في مراكز طبية محددة.
وتقوم هذه التقنية على استخدام المثبت الدائري الخارجي (Circular External Fixator) لترميم وتقويم العظام وتصحيح التشوهات، وتقدم هذه التقنية الطبية حلولاً علاجية لأكثر مشاكل العظام صعوبة والتي تكمن في الحالات التالية: تطويل الذراع أوالساق القصيرة، علاج كسور العظام، علاج انحناءات العظام، علاج الأطراف المشوهة خلقية كانت أو مكتسبة، علاج مرض الالتهاب الجرثومي بالعظام، علاج كسور العظام الخطيرة، علاج أمراض العظام الناتجة عن التهاب أو أورام عملية دمج أو التصاق المفاصل.
العلاج للكبار والصغار
* تحدث التشوهات العظمية والإصابات المكتسبة لدى الكثير من الحالات، فكيف يتم التعامل معها بالتحديد من خلال هذه التقنية؟
- تتوفر خيارات العلاج للكبار والصغار، سواءً كان ذلك تشوهاً خلقياً أوإصابة مكتسبة، ويتم من خلال هذه التقنية القيام بتطويل الأطراف في حال إذا ما كانت الساق قصيرة بسبب إصابة أثناء فترة النمو، أو أسباب خلقية وغيرها من الأسباب التي تصيب الأطراف، مثل الأسباب الخلقية أو الهرمونية أو أسباب بنيوية أو جينية، فكل هذه الاضطرابات يمكن علاجها بواسطة تقنية اليزاروف.
وبطبيعة الحال يتم تطبيق هذه التقنية على منطقة العظام المصابة، والمهم في هذا ألا نغفل تشجيع المريض على المشي بعد العملية الجراحية.
علاج كسور العظام المعقدة
* وهل هذه التقنية مفيدة للكسور بالغة التشوه والتعقيد؟
- إن الكسور التي لايمكن التئامها مشكلة شائعة في البلدان المتطورة، وتعد تقنية اليزاروف منهجاً فعالاً في علاجها، حيث يمكن علاج كافة أنواع الكسور العظمية ولكافة الأعمار، حيث يتم علاج كسور العظام المعقدة، خاصة الكسور المفتوحة، والكسور المضاعفة (أي يكون هناك أكثر من كسر في نفس العظمة)، أو وجود كسور مع فقدان بعض العظام، وهذا ينطبق على التشوهات سواءً كانت خلقية أومكتسبة، أو أن تكون عبارة عن تشوه عظمي أو تشوه بالأنسجة اللينة، بحيث يمكن علاج تشوهات الأقدام والساق والأطراف لأي عمر من الأعمار.
تشوه العظام عند الأطفال
* وما هي أنواع الإصابات التي تقوم هذه التقنية بمعالجتها بالنسبة لحديثي الولادة؟
- هناك العديد من الإصابات الفطرية الناتجة مع الولادة، وكذلك الإصابات المكتسبة (بعد الولادة)، والتي تؤدي إلى اعتلال جسدي عند الأطفال، ومن هذه الإصابات عظام قصيرة غير طبيعية، القصور في الساق، وتشوه في المفاصل، والساق أو الذراع القصيرة والتي يعود سببها لمشاكل في نمو الطفل، الالتواء في القدمين أو الساقين، وهذه الإصابات لاتؤثر فقط على نشاطات الطفل الحركية فقط ولكنها أيضاً تؤثر على نموه الجسمي، وتسبب له المشاكل في حياته المدرسية والتعليمية، وعلاج مثل هذه الإصابات ليس بالأمر السهل، وعلاجها بالطرق التقليدية المتبعة ينتج عنه تحسن محدود وطفيف، ولكن يمكن لهذه التقنية إيجاد حلول ناجحة وذلك عن طريق استخدام المثبتات الدائرية الخارجية التي تساعد على إعادة تأهيل العظام واستقامتها وإرجاعها إلى وضعها الطبيعي.
وبالنسبة للمصابين بالشلل فيعانون من عدم تساوي الطول في الأطراف، نتيجة لقصر الطرف المتأثر بالشلل، إضافة إلى أنه في كثير من الأحيان يصاحبها تشوه في القدم، ومن خلال هذه التقنية يمكن التعامل مع هاتين المشكلتين.
استطالة العظام المزدوجة
* وما هي الأسباب المؤدية إلى عدم تساوي الطول في الأطراف؟ وما مدى إمكانية علاجها؟
- أسبابها إما أن تكون مكتسبة أو خلقية، فمن العيوب الخلقية طول العظام، ومن الممكن أن يكون عدم تساوي الطول ناتج عن أسباب مكتسبة، مثل الإصابة، أو التهاب العظام، أو عوامل باثولوجية، أو أن تكون ناتجة عن عمليات جراحية أثرت على مناطق نمو العظام أثناء النمو والتطور، كما يمكن من خلال هذه التقنية القيام باستطالة العظام المفردة، إضافة إلى ذلك تقوم أيضاً باستطالة العظام المزدوجة في نفس الطرف المصاب بنفس الوقت، كما يتم استطالة عظمتين مختلفتين من الطرفين مثل عظمة الفخذ في طرف وعظمة ساق في الطرف الآخر.
عملية إطالة الأطراف
* وكيف تتم عملية إطالة الأطراف؟
- عملية إطالة الأطراف تعتمد على عوامل كثيرة، ويتم استطالة العظام حتى 10 سم بسهولة، ويمكن أن تصل إلى أكثر من 15سم، ولكن بالتخطيط الدقيق وبعد اعادة تكوين العظام الجديدة، بحيث تكون بنفس قوة العظام الطبيعية، وخلال كل هذا الوقت يبقى المريض متحركاً مع أو بدون عوامل مساندة، مثل أن يتكأ على العصا لوقت الاستطالة، ويحتاج استطالة الطرف 5 سنتيمترات إلى 15 أسبوعاً.
علاج الالتئام الخاطئ للعظام
* وهل هذه التقنية مفيدة لحالات عدم الالتئام التي فشلت التئامها بطرق العلاج المغلق مثل الجبس أو باستخدام جراحات العظام المتبعة العادية؟
- نعم، بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من هذه التقنية في حالة التئام الكسر في العظام بموضع خاطئ، بمعنى أن تكون العظمة في موقع غير موقعها الطبيعي وحدث لها التئام، ولكن مع انحراف في اتجاه العظمة في أي من الاتجاهات الثلاثة، ولسوء الحظ تعتبر هذه المشكلة شائعة جداً في دول العالم الثالث وكذلك بالدول العربية، وإذا لم يتم علاج الكسر بشكل صحيح وفي الوقت المناسب فسوف تحدث مشكلة الالتئام الخاطىء، ولكن يتم تصحيحها بفعالية عن طريق هذه التقنية حتى ولو كان التشوه الناتج عن الالتئام الخاطىء والذي يحدث بسبب تثبيت العظمة بشكل خاطىء في أكثر من اتجاه، ويكون العلاج عن طريق وضع الاطارات وتحريكها بمفصلات صناعية (صواميل) في الطرف المشوه، ويتم كسر العظمة باستخدام تقنية خاصة، ويتم تصحيح التشوه في اتجاه العظمة بالتدريج، ومن بعدها تصحح العظمة مثل أي عظمة مفرودة بشكل سليم، ويستطيع المريض تحميل وزنه على الأرض وعمل علاجات طبيعية أثناء عملية الالتئام بشكل صحيح.
التعامل مع التشوه بالقدم بفاعلية
* وما هي الطريقة العلاجية المناسبة لتشوه القدم؟
- يمكن لتشوه القدم أن يكون خلقياً أو مكتسباً، مثل الاصابة بالشلل، أو أن يكون ناتجاً عن مشكلة في الجهاز العضلي العصبي، وإذا فشل علاج تشوه القدم أو كان العلاج غير كامل في حالة تشوه القدم الناتج عن عيوب خلقية يمكن للمريض في أي مرحلة عمرية أن يتحسن شكل القدم لديه، كما تتحسن الحالة الحركية عنده من خلال هذه التقنية، أما إذا كان السبب مكتسباً مثل إصابة مرحلة نمو عمرية، أو ناتج عن التهاب عظمي، أو خلل بالأعصاب، أو التشوه الناتج عن الإصابة بالسكر وقلة الاحساس بمفصل القدم، أو ناتجٌ عن ضمور بمفصل القدم يمكن كل هذا أن يؤدي إلى تشوه بالقدم وتقلص بالعضلات، فمن خلال هذه التقنية أيضاً يمكن التعامل مع التشوه بالقدم بفعالية أكبر.
الالتهاب العظمي المزمن
* ما هي أسباب حدوث الالتهاب العظمي المزمن؟ وكيف يمكن علاجه؟
- الالتهاب العظمي يعتبر واحداً من أكثر المشاكل التي يخشى جراحو العظام أن تحدث بعد العلاج الجراحي، لصعوبة التخلص منه، وأسبابه يمكن أن ترجع إلى إصابة، أو ناتج عن عملية جراحية بالعظام، وأحيانا يحدث الالتهاب العظمي في مكان الكسر في الطرف المصاب، ويحتوي الالتهاب العظمي في تلك المنطقة العظمة على عظام ميتة، وتتكون بها تجويف يحتوي على صديد، ويخرج هذا الصديد من الجسم من قناة تكون فتحتها صغيرة في الجلد. وكل تلك المشاكل يمكن علاجها بفضل تقنية اليزاروف عن طريق استخدام طريقتين، الأولى باستخدام مبدأ الضغط والشد لتكوين العظام، وذلك عن طريق وضع الاطارات في الطرف المصاب ويحمل المريض وزنه على الأرض، ومع الضغط والمشي يتم علاج الالتهاب، ويمكن أن تجرى بطريقة أخرى بنقل العظام وفيها يتم نزع الجزء الميت من العظمة المصابة، ويتم حشو الفجوة المتكونة بتكوين عظمي جديد متكون من نفس العظمة الأساسية.
فقدان العظام والكسور الشديدة
* لكن في الحالات التي يحدث معها فقدان للعظام والكسور الشديدة، كيف يمكن التعامل معها؟
- فقد العظام يحدث نتيجة لإصابة أو التهاب بعد الاصابة، أو الضمور الناتج عن جراحة، ويمكن التعامل مع تلك المشكلة عن طريق إما نقل العظام أو إعادة تكوين العظام، أماالكسور الشديدة مثل المتحرك وغير الثابت والكسور المضاعفة يمكن للكسور غير المستقرة وغير الثابتة أن تثبت ويتم علاجها، إضافةً إلى الكسور الشديدة والقريبة من مفصل الركبة أو مفصل القدم...إلخ، ويمكن علاجها بالتقنية الحديثة، وإذا احتاج الأمر لإعادة تكوين عظام جديدة مكان العظام الميتة، فيتم عملها بنفس التقنية.
التصاق المفاصل
* وما هو مدى قدرة تقنية (اليزاروف) على عمل التصاق للمفاصل كمفصل الركبة أو مفصل الساعد؟ - في بعض الأحيان نلجأ إليها إذا كانت هذه المفاصل متأثرة بضمور أوالتهاب عظمي أو إصابة، فتقنية (اليزاروف) تعطي طريقة مثالية لالتصاق المفاصل، وخاصة المفاصل الصعبة المتأثرة بالالتهاب أو بفقد العظام، ومن خلالها يمكن للمريض أن يتحرك بالاطارات بالطرف المصاب على غير العادة بالطرق الأخرى، والتي تحتاج معها للجبس وعدم تحميل وزنه على الجبس على الأرض عند المشي، لكن من خلال التقنية يمكن له تحريك المفصلين الأعلى والأسفل، مثلاً عند التصاق مفصل الركبة يستطيع المريض تحريك مفصل الفخذ ومفصل القدم مع تحميل وزنه كاملاً على الأرض مع الاطارات والمشي بصورة طبيعية.
قصر القامة
* دكتور عامر بما أن الحديث حول طول العظام وقصرها يتبادر إلى الذهن سؤالاً حول أسباب قصر القامة؟ وهل يمكن لهذه التقنية التدخل في مسألة قصر القامة؟
-قصر القامة يمكن أن نعزوه إلى كثير من الأسباب، منها الباثولوجية كوجود خلل بالجينات، أو الخلل الخلقي، أو النقص في الفيتامين الناتج عن سوء التغذية، أو خلل هرموني أو خلل بالنمو والتطور، ومن الأسباب أن يكون قصر القامة طبيعياً كأن يكون شائعاً بالعائلة أو عائداً لعوامل بالجينات، ويكون قصير القامة لديه عظام طبيعية ووظائف الجسم كلها طبيعية. ولهذه المعضلة حل بفضل هذه التقنية وذلك عن طريق القيام بعمليات استطالة الأطراف التي من الممكن أن تساعد على تحسين الوضع.
حسب نوعية الحالة المرضية
* وما هي المضاعفات التي يمكن أن تحدث للمريض باستخدام هذه التقنية؟
- يمكن أن تحدث مضاعفات نتيجة لأي تدخل جراحي للجسم، مهما كان صغر حجم العملية، وهذا واجب كل جراح بأن يعرف المريض بالمضاعفات التي يحتمل حدوثها، وعلى المريض أن يعادل أو يوازن بين الفوائد العائدة عليه من جراء العملية وبين المضاعفات التي يمكن أن تحدث له.
فبالنسبة لتقنية اليزاروف تكون نسبة فشل استخدام التقنية مع المريض تتراوح بين واحد إلى ثلاثة بالمئة على حسب نوعية الحالة المرضية، ومن ذلك الالتهاب الموضعي في مواضع التثبيت بالجلد، حيث تصل نسبة الفشل من سبعة إلى ثمانية بالمئة، ولكن إذا تم التعامل مع مواضع التثبيت بعناية من حيث النظافة والغيار في تلك الأماكن بانتظام من قبل المريض فلن يحدث الالتهاب، ويجب أن نتجنب هنا أخذ المضادات الحيوية ،كذلك قلة الحركة بالمفاصل المجاورة للعظام التي تعالج بالتقنية، والتي يمكن أن تحدث أثناء العلاج، ويتم التغلب على هذه المشكلة بعمل العلاج الطبيعي، وتقليل سرعة معدل عملية الاستطالة، ولكن بشكل عام تتحسن الحالة بعد رفع الاطارات والمثبتات في كثير من الحالات.
|