تحية مفعمة بالحب، وبعد..
قرأت ما خطَّه يراع الأخت الفاضلة فوزية النعيم في صفحة الرأي بعنوان ( ومن يصنع المعروف)، وقبل أن أسرج قلمي للتعليق على هذا الموضوع أشكر الاخت الفاضلة على طرح هذا الموضوع، ويشهد الله أنني من المعجبات بكتاباتها الجيدة، ليس لأنها تحمل نون النسوة، وإنما لأنها تحمل نوراً وعلماً وثقافة، زادها الله من فضله...
وعوداً على بدء، فقد تحدثت الكاتبة في مجمل حديثها عمَّن يقابل الإحسان بالإساءة، وعندما تراءت أمامي فكرة الرد لم تكن مجردة من دعائها، بل كنت أحمل بداخلي ما تحمله الأخت، فكلانا نبحر عبر زورق واحد يحمل نفس الفكرة وكلانا قد ذاق مر الجحود والنكران.
هناك بعض البشر يحمل داخله قلباً كبيراً وتكون جبلّته مشحونة بالحب والخير للناس فنجده يسرع لنجدة هذا.. والتخفيف عن ذلك والوقوف مع اولئك وبعد ذلك قد يقابل بالجحود والنكران وربما بالاساءة حينها تنكنا الجروح داخله وتثور في نفسه احاسيس طاحنة تبدد ذاته فيندم على صنيعه لهذا المعروف لمن لا يستحقه حينها يتذكر قول الشاعر صاحب الحكم زهير بن ابي سلمى:
ومن يصنع المعروف في غير اهله
يكن حمده ذماً عليه ويندم |
ما اصعب ان تصنع معروفاً ومن ثم تقابل برماح النكران واسهم الخيانة وخناجر القدر!!
والاصعب من ذلك ان يذهب ما فعلته ادراج الرياح فيضيع في زحمة اللامبالاة!
عفواً اختي الفاضلة لقد ضاع المعروف في زمن ابتزاز المشاعر وتدني مستوى الوفاء والاخلاص فاصبح الانسان يحسب الف حساب قبل ان يقدم معروفاً لانه يخاف من ردة الفعل وبعدها يندم حين لا ينفع الندم... انني وانا اكتب تلك الكلمات اشعر بأن كلماتي تعثرت وحروفي تبعثرت فاحتوتني حواجز الصمت فارتسمت على وجنتي علامات الالم والدهشة من اولئك الذين لا يقدرون معروفاً ولا يراعون صنيعاً..فحينما نقدم معروفاً لمن لا يستحقه نصطدم بواقع مرير ونحاول جاهدين ان نعبر عن خيبة املنا بكلمات مرّة تخرج ممزوجة بالاسى والحزن والالم.. فكم من انسان قُدَّم له معروف فهدم قلعته وكسر حاجزه وآذى يداً امتدت له...
هناك فرق بين انسان يستوطن المعروف فواصل عمره وسطور حياته ويحاول رد هذا المعروف جاهداً وبين آخر يحاول جاهداً ان يطوي سماء معروف اظله فما اصعب ان تعطي وتعطي وتبذل وتبذل وتمد يد العون للآخرين ومن ثم تفاجأ بان الامر لا يعدو لوحة روحية سقطت من بين احضان بروازها فاصبحت كسفاً... لقد غابت باقة الفضائل عند اولئك الجاحدين ولم يبق لديهم سوى ضمائر متهالكة وهمم متردية.. وقلوب تنبض وسط اجسام مريضة لا تعرف من المعروف سوى اسمه فقط... انه احباط يكسر عنفوان المعروف والخير معاً!!! ان صور نكران الجميل تتجلى في عدة اشياء قد اذكر بعضاً منها حتى لا اتهم بالمبالغة ومن هذه الصور:
1- العقوق هو نوع من الجحود ونكران الجميل للوالدين..ألسنا نراه ذا عين اليقين حقيقة بين ظهرانينا ومن ثلة من ابنائنا؟ فأين رد المعروف للوالدين؟ واين تحقيق كلمة الله حين قال: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (24) سورة الإسراء.
2- ما حدث من تفجيرات على تلك الأرض المباركة من ثلة آثمة باغية أليس ذلك من باب العقوق والنكران والجحود لفضل الوطن والذي هو عش احلامنا وتاج رؤوسنا ومهجة افئدتنا؟.
3- ما يحدث حينما يكفل انساناً آخر في ضائقة مالية ويفرج كربه وبعد ذلك ينسى هذا الصنيع ويتنصل عن رد ما عليه من دين أليس ذلك من باب اللؤم وعدم رد الجميل والمعروف؟
إن صور العقوق ونكران الصنيع كثيرة قد لا يسمح المجال بذكرها. ولكن اتمنى الا تكون ظاهرة تسري في مجتمعنا سريان النار في الهشيم، كما ارجو الا تفهم تلك المقالة فهماً خاطئاً فأنا لست ضد سداد المعروف ومساعدة الملهوف ومد يد العون للآخرين كما حثنا عليه ديننا الحنيف ورغبتنا فيه السنة النبوية المطهرة ولكنني ضد اسداء المعروف لمن هب ودب. فلا بد من التريث والتأكد ممّا اذا كان صاحبه اهلاً له - وعندما نعلم ذلك نهب مسرعين لمد يد العون حينها سنكسب أجري الدنيا والآخرة ولن نندم على صنيعنا هذا مطلقاً!!
طيف أحمد / الوشم- ثرمداء
|