Sunday 15th February,200411462العددالأحد 24 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا ؟ من أين أتينا ؟
الحج.. كما رأيته هذا العام
د. عبد الله بن ناصر الحمود(*)

عندما ينوي المرء القيام بشعيرة الحج تخالج نفسه أحاسيس عظيمة جداً، ذلك أن مقابل العمل الذي سيتم أن يمحو الله تعالى جميع ما لبس الإنسان من أدران المعاصي والأخطاء والآثام ليعود بإذن الله تعالى كيوم ولدته أمه. أمل عظيم يدفع الناس للحج، وترقب كبير بأن يقبل الله هذا الحج وأن يسجله حجاً مبروراً ليفوز المرء بخيري الدنيا والآخرة، جعلنا الله جميعاً ممن كان حجهم مبروراً.
قدوم مكة ومنى وعرفات ومزدلفة في رحلة الإيمان قدوم يخالطه شيء كثير جداً ليس من أعمال الحج وحسب، ولكن من كل ما يتصل بواقع المجتمعات المسلمة ومستقبلها، ذلك أن الحج مكان وزمان يعلن فيه كل مسلم عما يعني له كونه (مسلماً). وهو مكان يعطي الوافدَ إليه رؤيةً استعراضية لمركبات إنسانية يتكوّن منها واقع الأمة المسلمة، وينتج عنها صورة ذهنية معيَّنة عن أحوال المسلمين وثقافاتهم. القادم إلى مكة المكرمة وإلى منى يوم السادس أو السابع من شهر ذي الحجة، يشهد بنية تحتية عظيمة تم بناؤها وتشييدها لخدمة ضيوف الرحمن، ولتتم شعيرة الحج والمسلمون يرفلون في نعمة الكرامة والعزة والوئام. الطرق مهيأة، والخيام في منى تم بناؤها وفق مواصفات عالية التأهيل والقدرة، وأرض عرفات تنتظر الزائرين بكل شموخ وتنظيم، قد تنسى أنك قدمت للحج (الرحلة المرهقة العظيمة في ثقافة المسلمين) فتروق نفسك لأخذ جولة بين تلك المنشآت ولتمتع ناظريك بما منَّ الله تعالى به على هذه البلاد من نعم الرخاء وخدمة مصالح المسلمين. فتعود بعد تلك النزهة الخاصة لتستسلم للنوم ليلة التاسع من الشهر ولتصحو صباح ذلك اليوم فتبدأ رحلتك قاصداً صعيد عرفات. وهنا، تبدو وكأنك في حلم، أو أنك كنت تحلم يوم أمس، فالمفارقة عظيمة جداً. اليوم يبدأ نفر من الناس يسلكون مسالك شتى، يقولون أقوالاً ويفعلون أفعالاً لا تليق بحال المسلمين، ناهيك عن القادمين للحج منهم. يستوقفك وضع عدد منهم ممن لم يروا المدينة العصرية في حياتهم كلها التي تجاوزت الخمسين عاماً إلا في المشاعر المقدسة أو في الطريق إليها، فبات جهله أكثر من علمه، وعبثه بالمكان والزمان أبلغ من توقيره واحترامه. ويثير حنقك جمع آخر قدَّم ذاته دون الآخرين في جني خيرات المكان والزمان. ويزعجك ثلة من الحاجين الراجلين المتسلِّلين من مكان قريب، ويصل عجبك ذروته عندما تعلم أنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. وبين هؤلاء وأولئك يتناثر العارفون والمهتدون سبيلا.
وتمر بقية أيام الحج لتزداد معرفتك بأحوال المسلمين، ولتعلم أن الأمر يحتاج إلى وقفات تأمل وتدبر لعل أحوالنا تكون أفضل، ولعلنا نستطيع أن نقدِّم صورة نمطية تتسق وعظمة الدين الذي نحمله.
الحج شعيرة عظيمة، وأعتقد أننا اليوم بحاجة ماسة لتحقيق ثلاثة أمور: الأول: إنشاء برامج توعية حقيقية للحجاج تشمل كل تفاصيل أداء الفريضة بالتكامل بين جميع الجهات المعنية المحلية والدولية، وأن يكون اجتياز هذه البرامج شرطاً لمنح تأشيرة الحج. الثاني، الحزم الكامل في مراقبة مدى تنفيذ مؤسسات الطوافة وحملات الحج لشروط تقديم الخدمة، ومراجعة تلك الشروط وإعلانها للناس ليكون المجتمع كله رقيباً عليها من أجل المصلحة العامة. الثالث، مراجعة الأحكام الفقهية المتعلقة (بالاستطاعة) في أداء فريضة الحج، والاجتهاد في النظر في مشروعية أن يكون الوفاء بكل الشروط والمواصفات التي تقرها الجهات الرسمية لضمان سلامة الحجيج ورفعة مكانة الإسلام والمسلمين أثناء الحج، داخل ضمن ضابط الاستطاعة، بحيث أن من لا يمكنه الوفاء بجميع متطلبات رحلة الحج المالية والمعرفية والسلوكية وغيرها، فهو ممن لا يستطيعون إليه سبيلا.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved