سيطر حديث (المؤامرة) على الوسط الإعلامي العربي من جديد بعد ان كشفت الصحافة العراقية في عهدها الجديد الواعد عن قوائم بأسماء مسؤولين ومحامين ومفكرين وإعلاميين عرب وغير عرب كانوا يقبضون رشاوى نقدية وعينية و(نفطية) من (صدام حسين) طيلة سنوات مغامراته وحروبه العدمية ضد إيران والكويت ودول الخليج العربية ومشاكساته ومصادماته مع المجتمع الدولي حتى (تجرذه وتجحره) ومن ثم سقوطه المهين في قبضة قوات التحالف.
يا سبحان الله..!! قلنا هذا الكلام منذ سنوات مضت فما صدقنا إلا القليل من الناس.
إذن.. ما كانت قناة (الجزيرة) القطرية لتذبح ديكها (المتصهين) من أجل عيون العراقيين..! ولا ذهبت رحلات ومنافحات ومدافعات ومرافعات الصدامي المخلص العريق (محمد المسفر) أدراج الرياح، وما كانت أرياق المحاور الصاخب (فيصل القاسم) لتجف وتنشف مع كل حلقة من (معاكساته) الشهيرة من أجل لا شيء..! وما انتفخت أوداج الصحافي (عبدالباري عطوان) ولا جحظت عيناه وتدلت براطمه وفغر فاه إلا من أجل شفطات (نفطية) كبيرة من أرض الرافدين..! حتى (سامي حداد) وذاك القومنجي الأوسطي (مصطفى بكري) وأرتال المحامين والمفكرين وجوقات المغنيات والمغنين وزفات الراقصات والمطبلين.. الكل في هذا المشهد العجيب كان يعرف من أين تؤكل أكتاف العراقيين زمن الرئيس الراشي.
من كان يتآمر على من..؟ الرئيس المخلوع أم المطبلون والمزمرون والمفتون والمفتنون والمزينون والمنافقون..؟
في البدء.. كانت (المؤامرة)..! يا للعار هكذا تبدو المسألة اليوم في لغتنا وفي تاريخنا وفي ثقافتنا المعاصرة.
هل كانت (المؤامرة) غربية أم عربية..؟!
في ظني المتواضع تمشياً مع أصحابها أنها على ما يبدو كانت وما تزال صناعة عربية قديمة، فلعلها خرجت من غياهب سحارات العرب أو من قماقم أسحارهم الشرقية، فهي تماما مثل طقوسهم الثقافية والاجتماعية والسياسية لأنها تتغير بتغير الأهداف والاتجاهات وتتنوع بتنوع المزاجات والنزعات قومية كانت أو إسلامية، وتظل في أيديهم سلاحاً طبعاً لمن يحسن خدمتها بإخلاص فلا يمكن لها ان تكون إلا كما يريد لها العرب أن تكون مرة مع الغرب ضد العرب، ومرة مع العرب ضد الغرب، ومعهم ضد الشرق والشمال والجنوب والوسط، ومرة مع العرب ضد العرب، ومرة مع الشيطان إذا تقمص العرب..!
المهم في الأمر ان تأتي هذه (المؤامرة) اللذيذة نجدة منقذة وقت الشدة يستعين بها الحكام لتخدير الشعوب وتعمد إليها الشعوب لتخوين الحكام ويركبها (أباطرة) إعلامهم و(فلاسفة) فكرهم و(عباقرة) ثقافتهم فيستعينون بها لتفسير الظواهر، ويهتدون بها لتحديد الدلالات، ويستنجدون بها لاستجلاب المنافع واستحلاب المزيد من العطايا والهدايا والأموال..! ومن وظائفها السحرية كذلك أنها تُرمى بها الأزمات والنكبات، وتعزى إليها الاخفاقات والنكسات، بينما تظل هي مستقرة في الذهنية العربية سيدة محظية لا تتخطاها فكرة أو تتسلل من بين يديها خاطرة حتى تعمل شبكتها السحرية على فلترتها بعناية فائقة..!!
إنها (المؤامرة)..! إنها في العادة مطية يركبها أهل العجز عن النُّجز، ومشجبة يعلق عليها المخفقون والمتخلفون أخطاءهم، الاستعمار كان بالأمس أعظم مشجبة في حياتنا..! ثم تأخذ إسرائيل وأمريكا الدور نفسه بعده.
سوف نظل أمة مسكونة ب (المؤامرة) حتى يرث الله الأرض ومن عليها وذلك لأن جوهر السلوك الدولي وكذلك جوهر العلاقات والصراعات الدولية في ثقافتنا مرهونان بنظرية (المؤامرة) وتحكمهما ثنائيات متضادة من مثل: (منتصر أو مهزوم خاسر أو مستفيد يكون أو لا يكون أنا أو هو).. يجري ذلك بعيداً عن مفهوم التعاون والتنافس، وكون آليات الصراع في هذا الكون المفتوح إنما هي مشاريع مكشوفة ومعلنة لكنا نصر دائما على (المستتر) والمجهول ونبحث عن أشياء نقول إنها لا تجري إلا تحت (الطاولة)..!!
كيف وصلنا إلى هذا الخزي..؟
ولدنا ونشأنا في كنف السيدة العربية (مؤامرة) فهي أمنا الرؤوم لأنها أرضعتنا كرها بكره وحقدا بحقد، وبغضا ببغض حتى كبرنا ونحن كارهون مكروهون في آن وما تزال أمنا قائمة على رضاعنا دون فطام، لأن رضاعها يمتد من المهد إلى اللحد..! أرضعتنا حليب الرجعية ضد الشيوعية، والشيوعية ضد الرجعية، وحليب الملكية ضد الجمهورية والجمهورية ضد الملكية، والاشتراكية ضد الإمبريالية، واليسارية ضد اليمينية. ولم تفطمنا على حليب القومية والبعثية والإسلاموية والخوانجية.. إلى غير ذلك من رضعات مترعة لا عد لها ولا حصر، وكلها تصب في خانة التآمر والمؤامرة والخيانات العظمى.. (عرب خيانات).. خيانات ضد الوطن.. ضد الشعب.. ضد الحزب.. ضد الثورة.. ضد الحرية.. ضد الاستقلال.. ضد الكرامة.. ضد الإسلام.. ضد الأمة العربية بأكملها..!
صدام حسين غير المأسوف على زمانه الغابر شن الحرب على إيران بفعل مؤامرة أمريكية، واحتل دولة الكويت بمؤامرة أمريكية، وأعلن الحرب على دول الخليج لأنها تتآمر عليه اقتصاديا وهو إذن لم يهاجم اسرائيل كما كان يظهر بل هاجم الكويت الجارة العربية ليفوت مؤامرة أمريكية.
بالمقابل يمكن لنا ان نستحلب المزيد من ضرع المؤامرة فنقول: بأن زعماء عرباً كانوا في صف صدام حسين عشية غزوه للكويت فهم إذن متواطئون معه أي متآمرون، وقيادات إسلامية اخوانية كانت تأكل معه على سفرة واحدة قبيل الغزو بأيام قلائل، وعندما شكا لها وضعه الاقتصادي المتردي أفتت له بأن يسمي بالله ويأكل مما يليه.. (الكويت) وغيرها..! فهي إذن متآمرة معه قابضة منه..! بدليل مباركتها للغزو والعدوان ودعمها لمواقف المعتدي بعد ذلك..! وأصوات بخطاب ديني إسلامي 0كارثي) ظهرت في بعض دول الخليج المجاورة للكويت أيام الأزمة كانت تعترض على الحشد العسكري ضد العدوان بحجة القوات الأجنبية في جزيرة العرب..! وتؤلب ضد الدول المهددة بالغزو من خلال المنابر والشرائط والنشرات ما ظهر منها وما بطن..!! فهي إذن ضد طرد الغازي وضد التحرير، وهي إذن كانت متآمرة مع صدام حسين ضد دولها ومجتمها وقت المحنة ولا بد أنها كانت من القابضين..! وما تشهده الساحة العراقية اليوم من إرهاب منظم ضد الشعب العراقي تحت غطاء مقاومة المحتل هو في حقيقته (مؤامرة) مدفوعة (الأثمان) ضد العراق الجديد..!
القوائم لن تتوقف عند حد (مائتي) مرتش من صدام حسين في سنوات الحصار لأن رشاوى براميل النفط جاءت في زمن استحالة الرشوة بالدولار والمرسيدس وشقق التمليك وهدايا مهرجانات المربد الشعرية السنوية فأرض العراق القادم حبلى بالمزيد من المفاجآت.
أخيراً.. إذا لم نستطع اليوم التوقف عن الكلام على (المؤامرة) ونعمل على سحق هذا (الخزي) في حياتنا فأرجو ان تنتبهوا أيها السيدات والسادة لأني في آخر المطاف عربي فمقالي هذا يمكن ان يكون مؤامرة من نوع ما..! لكن مع من..؟ وضد من..؟ لا أدري.
زاجل
الأخ محمد بن عبدالعزيز التميمي - الرياض
سترى وجهة نظرك قريباً هنا مع الشكر
ASSAHM@MAKTOOB.COM
FAX: 0552617302
|