* فرغت من وقفتي مع الأستاذ هزاع الشمري، الذي أصدر كتاباً عن الحجاج بن يوسف الثقفي، في طبعته الثانية، ولم يتح لي قراءة الطبعة الأولى، وأمضيت مع ذلك الكتاب سويعات، عشت فيها مع سبحه وآرائه فيما كتب عن الحجاج عبر التاريخ، وهو تاريخ طويل، يمتد الى أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وسجلت آرائي حول كتاب الشمري، حيث اتخذت لذلك عنوانا، هو: (شهاب الحرب)، ولعلي أخذت تينك الكلمتين من خلال قراءتي لذلك الكتاب.!
* واليوم يتجدد الحديث عن الحجاج، ومرد هذا الاهتمام بالنسبة لي، أن القناة الفضائية (mbc) قدمت أكثر من ثلاثين حلقة عن بطل الأمويين، ثلاثون منها كانت في رمضان 1424هـ, والبقية خلال أيام العيد.. غير أني لم أشاهد إلا حلقات قد لا تبلغ العشر بآخره، وقد شدتني القصة وأبطالها وأداؤهم واخراج الحلقات المثير، لذلك توجهت الى قراءة الحجاج، ولكن ليس عبر كتب التاريخ، وإنما من الاصدارات الجديدة، التي اهتمت بهذه الشخصية المثيرة.!
* وفي لقاء في النادي الأدبي الثقافي بجدة مع الأخوين العزيزين، الدكتور منصور الحازمي والدكتور عزت خطاب في رمضان نفسه، جنح بنا الحديث الى طلاّع الثنايا، وقال الأخ الحازمي :إن ثمة كتاباً، رسالة دكتوراه صدرت حديثاً عنوانها - الحجاج بن يوسف الثقفي، فسعيت الى اقتنائه، وهو من تأليف الدكتور - محمود زيادة-، وقضيت معه أياماً في البلد الجميل تونس في شتاء 2004م، وأيام من العام الفارط، وهمشت على ما قرأت، حتى أكملت قراءة الكتاب، وبعد أن عدت الى جدة بأيام أخذت أكتب هذه الخواطر، عليّ أن أصوغ ما عنَّ لي من خلال تلك القراءة وما يمثل رأيي، موافقة ومخالفة للمؤلف، الذي اختار الحجاج شخصية لأطروحته، ومن الطبيعي أن الذي يقرأ آراء غيره يتفق ويختلف مع صاحب الإنشاء الذي ألف وقدم انتاجه الى القراء.!
* ولعل الدكتور زيادة، حين شرع في اصدار رسالة الدكتوراه، أضاف الى عنوانها ما لم يكن في الرسالة حين قدمت الى المناقشة، وهذا تقدير من عندي، وعنوان الرسالة كامل: الحجاج بن يوسف الثقفي - رحمه الله - المفترى عليه - رسالة دكتوراه.. كل هذا على وجه الغلاف، وهو شيء كثير، وكان يكفي أو هكذا أرى، أن يكون العنوان عن الشخصية والأب واسمه العائلي، وما عدا ذلك فحشو زائد، وفي إمكان المؤلف أن يضع بقية ما يريد قوله في صفحات الكتاب، وهذا هو منهج العقلية المتجددة والمتطورة.. إذ أن كلمتي - المفترى عليه - ينبغي أن تخضع لبحث وأدلة وبراهين، وأكبر الظن أن كل ذلك صعب في التاريخ وفي التراث بعامة، إن لم يكن مستحيلاً.. ويضاف الى الحشو إياه، سبع فقرات على الغلاف نفسه هي: القصة الكاملة لحياة الحجاج، حقيقة علاقة الحجاج بالخلفاء، كيف قمع الحجاج الخوارج، الخلاف بين الحجاج وابن الزبير، هل هدم الحجاج الكعبة؟، علاقة الحجاج بابن الأشعث، اهتمام الحجاج بالقرآن ونقطه.!
* كل هذا الحشو ليس غلاف الكتاب محله، وإنما في داخل صفحات المؤلف - بفتح اللام المشددة-، يمكن أن يأخذ مكانه، وهذا البذخ أو الحشو الفارغ لواجهة الكتاب، قد يمارسه صحافي مبتدئ، أو انسان يتاجر في الخردوات و(الروبة فيكيا).. أما أن يكون في صدر أو جبين - دكتوراه -، فقد يصح ذلك في غير هذا المجال، لأن الاخراج وعنونة الكتاب الجيد ذوق، وقارئ الأمس واليوم ذكي، لا يريد ولا يحتاج الى هذا التلميع، الذي قد يقصد به جذب القارئ والاغراء، ليقتني من يراه الكتاب بلا تردد كما يظن السيد الدكتور المؤلف.!
* ورأيت ذكاء مصمم الغلاف، فقد زيّنه بما يشبه خريطة القارة الهندية، وجعل تلك الرسمة حمراء قانية، تعبيراً عن الدماء التي سفكها الحجاج.. وإنني مع الحق في جهاد الأعداء من الخوارج والزنج وأعداء ومناهضي الاسلام لكي تستقر حياة الناس خلال الفتوحات وبعد النصر، جهاد هؤلاء لا مفر منه.. أما القضايا الأخرى التي مارسها الحجاج وتجاوز فيها الحد، فلا يليق بدارس محقق أن يدافع بلا علم وبدون دليل، وأن يصدر أحكامه مسبقاً كقول صاحبنا على واجهة الكتاب (المفترى عليه)، وما جنح إليه صاحب الدكتوراه، مثل من يُؤتى به متهما الى القاضي أو الحاكم، فيصدر عليه حكماً متسرعاً بالعقاب، قبل التحقيق وقبل الادانة، ودون أن يكون بيد المعاقب - بكسر القاف - نص يوجب العقاب والقصاص، وعرفنا من متابعة القراءات في ساحات المعرفة ان الانسان الواثق مما يقول، لا يصدر أحكاما مسبقة، إذ ليس هذا منهاج الواثقين والدارسين فيما يقولون، ايراد الأحكام قبل النظر والبحث وتقديم الحيثيات والأدلة القاطعة المؤكدة، حتى لا يُقال إن كلامهم مردود عليه، ومردود عليهم، لأنهم تعجلوا الحكم وتقديم النتائج قبل التدليل عليها..!
|