الإنسان مكوَّنٌ من روحٍ وجسد، فيه نفثة الروح، وفيه قبضة الطين، ولابد للإنسان من الحرص على التوازن بين هذين الجانبين حتى يكون إنساناً سويّاً فاعلاً، قادراً على العطاء النافع له، ولمجتمعه وأمته، وهذا التوازن المنشود هو الذي تحاول جميع الفلسفات البشرية أن تصل إليه، لأن تلك الفلسفات تهدف - في مجملها - إلى تحقيق السعادة للإنسان، وتزعم كل فلسفة منها: أنها قادرة على تحقيق هذه السعادة المطلوبة، وفق اجتهاداتها وتجاربها وما تصدره من تعليمات وقوانين وتشريعات خاصة بها.
ولكنَّ التاريخ، والواقع البشري يؤكد أنَّ تلك الفلسفات البشرية أخفقت وما تزال تخفق لأنها تعتمد على نفسها بعيداً عن التعليمات السماويّة التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على أنبيائه ورسله لتحقيق ذلك التوازن المهم بين الروح والجسد.
الله سبحانه وتعالى أعلم بما خلق، وأدرى بما يصلح لعباده من الأقوال والأفعال، وبما يعمر الكون، ويحقق التوازن والانسجام بين المخلوقات فيه، ولذلك فإنَّ كلَّ اجتهادٍ بشري ينفصل عن تعاليم السماء يعد اجتهاداً مُخفقاً مهما تعالى ضجيج الدعايات له، وتعالت أصوات تلميعه وتسويفه.
الاجتهاد البشري المنقطع عن تدبير خالق الكون عزوجل، ساق البشرية في رحلتها الطويلة وما يزال يسوقها الى الوثنيّة، والصراعات الطبقية، والحروب المدمِّرة، والانهيار النفسي والخلقي والاضطرابات الفكرية، مع أنَّ الفلاسفة والمفكرين الذين يقفون وراء ذلك الاجتهاد المنقطع يعدُّون من عباقرة البشر، وأصحاب القدرات النفسية والعقلية العجيبة، التي تروى أخبارها، وقصصها من جيل الى جيل مصحوبة بهالةٍ من الانبهار، والإعجاب الذي يجنح برواتها إلى الغلوِّ والمبالغات واختراع الأساطير التي لا أساس لها من الواقع.
ماذا فعل فلاسفة الاغريق، ومفكرو الروم وعلماؤهم، وجهابذة الرأي في فارس، ورجال الحكمة والمعرفة في الصين، ورجال الدَّهاء والشجاعة من العرب في جاهليتهم؟
ماذا قدَّمت الفرعونية بأهراماتها الضخمة، وأساليبها المتطورة في تحنيط الأموات للبشرية؟ وماذا قدمت العلمانية، والشيوعية، والحداثة، والعولمة الغربية للروح البشرية التائهة؟
فقدانٌ للتوازن بين الروح والجسد، لا يخفى على أحد، وحيرةٌ واضطراب، وحروب وعداوات، ومصالح بشرية يأكل من أجلها القويُّ حقَّ الضعيف، ويلتهم الكبير الصغير، ويتسلّط بها الغنيُّ على الفقير.
يتحدَّث علماء النفس عن مثلث النشاط الذهني عند الإنسان، وهو مثلَّث مهم يعمل بصورة مستمرة كما يعمل القلب، لأنه مرتبط بالمخ البشري الذي لا يتوقف في حالة اليقظة والنوم، إنه مثلث (العقل والوجدان والإرادة).
ويرون أن عمل هذا المثلث المهم هو الذي يحقق للبشر ما يتقدَّم بهم من الإلهام المنتج لكل عملٍ أو قولٍ إبداعي، ويقفز بهم في سلم التطور والرُّقي، ويؤكدون أن عدم التوازن بين أضلاع هذا المثلث ينتج ما يمكن أن يسمَّى بجنون العبقرية، حيث يتفلَّت الإلهام من القيم والمبادئ التي تحكم المجتمعات البشرية، ويأتي بكل غريب مدهشٍ مثير، بصرف النظر عن كونه نافعاً أو ضاراً للناس.
كيف يمكن أن يضبط هذا المثلَّث المهم (العقل والوجدان والإرادة)؟.
ليس هنالك من ضابط حقيقي له غير الدين الصحيح الذي أنزله الله لصلاح حياة البشر وغيرهم في هذا الكون الفسيح.
لأن الدين الصحيح (الإسلام) يحقِّق لأضلاع هذا المثلث ما تحتاج إليه من الحرية، الراشدة، والوعي، والاطمئنان الروحي الذي يمنع من التفلُّت والانحراف، مع فتح آفاق الكون والحياة والإنسان جميعها أمام العقل الراشد، والوجدان المستقيم، والإرادة الحرَّة القوية المنضبطة بضوابط السنن الإلهية المودعة في هذا الكون الفسيح.
إشارة:
إذا أغراك في الدنيا هروب
فلن تستطيع في الأخرى هروباً |
|