* الرياض - روضة الجيزاني:
كان وما زال الحب إحساساً فطرياً، ورغم تغير صورة اليوم ومفهومه ظل الحب الأكثر لفظا على شفاه الناس؛ فقد يعبر عن موقف إنساني أو اجتماعي وليس بالضرورة ان يعبر عن الميل الغريزي بين الرجل والمرأة.
ورغم ظهور مفاهيم وأنماط جديدة للحب، ظهرت أيضا أعياد تسمى عيد الحب حتى أن أصحاب محلات الهدايا أصبحوا يروجون لهذه الظاهرة بطرق عديدة تعتمد على اللون الأحمر في عدة قوالب كالورود والقلوب وغير ذلك. والسؤال المطروح لماذا لا يكون مفهوم الحب سائدا في مجتمعنا؟ ولماذا نخاف ونتوجس الخطر من أي ظاهرة قادمة؟ فظاهرة الحب ظاهرة طبيعية وفطرة إنسانية لها صلة بالحياة والواقع الذي نعيشه، وكل شيء أمامنا منطقي له وجهة نظر يدخل ضمن نطاق دائرة الحب والأحاسيس البشرية. ورغم وجود خلاف حول هذه الظاهرة أو تجاه هذا المفهوم حاولنا أن نجد تفسيراً: هل الحب شيء ضروري في هذا الزمن؟ ولماذا لا يصبح إحدى سمات مجتمعنا؟ في هذا الاستطلاع نرصد بعض الأفكار ونقرأ العديد من المفاهيم؛ فإلى التفاصيل:
تقوم نوال زمزمي - مشرفة تربوية في رياض الأطفال حول مفهوم عيد الحب: بصفتي متخصصة في علم رياض الأطفال أرى أن كل ممنوع مرغوب ففي رياض الأطفال يجب علينا تعزيز السلوك الإيجابي وتذكير الطفل به، وذلك لنثبته في أذهان أطفالنا وبالتالي في سلوكهم، وهذا ينطبق على مفهوم عيد الحب؛ فالتشديد بمنعه أو منع أي شيء يذكر به بقصد أو بغير قصد مثل: لبس الملابس الحمراء ووضع زينة لونها أحمر في السيارات، وشراء الورود الحمراء؛ حتى لا يصبح كل شيء ممنوع مرغوبا.
وتضيف السيدة زمزمي قائلة: لقد شهدت موقفا مثيرا للغاية عندما كانت إحدى الطالبات في الجامعة ترتدي قميصا أحمر دون قصد، وعندما شاهدتها إحدى الدكتورات قامت بطردها أمام زميلاتها من القاعة دون إعطائها الفرصة لفهم السبب، وبعد ذلك تبين أن الفتاة ليس لديها علم بتاريخ عيد الحب وليست لديها النية في ذلك.
وأنا أرى أن تتغير الصورة النمطية للأشياء من أمامنا فعندما كنت موجودة في الولايات المتحدة الأمريكية أنا وعائلتي لم أجد هذه الظاهرة سواء من شباب أمريكا أو من الشباب السعوديين الموجودين للدراسة هناك. والسؤال: لماذا؟ والإجابة لأنه لم يكن هناك ما هو ممنوع، فلماذا لا نترك شبابنا وفتياتنا يدركوا بأنفسهم تفاهة هذا العيد؛ فتسليط الضوء عليه يبرزه ويؤكده ويجعل الشباب يتمسكون به أكثر.
تقول السيدة فوزية العباسي من القسم الفرنسي في إذاعة الرياض: إن ايجاد يوم للاحتفاء بظاهرة عيد الحب أمر يسيء لمفهوم الحب؛ فهذه الظاهرة تحث على الحب الوقتي في حين اننا بحاجة للحب الدائم في حياتنا. وترى ان البعض ينتظر هذه الظاهرة للتعبير عن شيء ما؛ لأنه غير قادر على التعبير طيلة أيام السنة عما في داخله، وهذا مؤشر خطر، وثقافة دخيلة على مجتمعاتنا العربية فنحن مسلمون نحتاج دائما إلى أن نحب كل من حولنا خاصة والدينا والتقرب إليهم وبرهم وحب أبنائنا وحب عملنا والإخلاص في النية في كل شيء نقوم به وهذه الأشياء تكمن ضمن دائرة الحب الإنساني؛ فالحب مورد غني بالمعاني الجميلة ونهر لا ينضب.
وترى الطالبة حياة مدني - ثانوية عامة، أن الحب اليوم لم يعد السمة السائدة في المجتمعات وانه أصبح كالشوكة على شفاه الطيبين، فهو لا يتناسب مع عجلة الحياة اليومية وتضيف: أن جيلنا غير قادر على الحب فهو تعلم كل شيء لكنه لم يتعلم كيفية التعبير عن مشاعره وأحاسيسه وهذا أمر بشع، فنحن نخاف التعبير حتى لأقرب الناس إلينا وهذا يؤثر سلبا على حياتنا الزوجية؛ فأنا أجد أكثر حالات الطلاق ناتجة عن كرهنا لبعضنا ولاننا غير قادرين على حب أنفسنا وحب من هم حولنا والأخطر من ذلك شعورنا بأن الحب حرام وعيب كبير.
وترى المعلمة نورة دباسي أن المشكلة ليست في المفهوم ذاته وهو الحب لكنها بالاسم نفسه، فعيد الحب لا يتناسب مع مفهومنا للاشياء حتى لو كان الإحساس بالحب ثم يجب ان تكون حياتنا مليئة بالحب.. حب الله والإيمان به والرجوع الى أحضان الدين ومعاملة أبنائنا بالحب وتغذية مشاعرهم بالحب وتعليمهم كيف يعبرون عن الحب، وعلينا الا نسيء فهم الحب، فهو إحساس نبيل من خلاله نستطيع ان نصبح حضاريين بعيداً عن الاحتفاء به.
وترى السيدة هدى العجاجي - سيدة أعمال - ان الحب شيء ضروري في حياتنا سواء كان بموعد محدد أو بغير؛ فإذا لم نحب لن نحب ولن نستطيع رؤية الوجود جميلا مشرقا، وحول ظاهرة عيد الحب تضيف: لا شك أن تنمية شعور الحب في سلوك أبنائنا وتصرفاتهم خاصة لدى بناتنا وشبابنا مهمة؛ فقد تخجل الفتاة من مصارحة زوجها بشعورها وقد يتمنع الزوج عن مصارحة زوجته بحبه لها من باب المكابرة وهذا جميعه يعود الى عدم تنمية مشاعر الحب والانتماء لديهم ثم شعورهم بهذا يجعلهم يحبون كل ما هو حولهم بتفهم وترو ويجعلهم قادرين على التعبير عما يدور بداخلهم بعيداً عن طرق غير مشروعة قد تسيب المشاكل الاجتماعية والنفسية لديهم. إذن يجب علينا احتضان أبنائنا بالحب وتعليمهم الاحتفاء بالحب دائما وليس من خلال عيد الحب فقط.
وتؤكد السيدة هناء عبد الله موظفة في أحد البنوك النسائية على أهمية الحب في حياتنا قائلة: في بعض المجتمعات الأوروبية يدرسون الحب وهذا له أثر اجتماعي على البلد والمجتمع، وأنا أدعو إلى زرع مشاعر الحب بين أفراد المجتمع تحت ضوابط معينة تتفق مع ديننا الإسلامي خاصة بين صغار السن وتنمية حب الوطن فيهم والحفاظ عليه من مفهوم فكري ونحثهم على التعبير عن حبهم لبلدهم ليكونوا سداً منيعا له وليشعروا بقيمة بلدهم وعطائه لهم، فإذا ما قمنا بتعويدهم على ذلك فلن تصبح لديهم عقدة كل ممنوع مرغوب أو عقدة الخوف، وأنا أرى أن وجود ظاهرة للحب شيء جميل وصحي وراق إذا لم تتخط مفهوم الأدب والتقاليد السائدة لكل مجتمع.
وتعلق الاخصائية النفسية والاجتماعية السعودية ليلى وهبي على هذه الظاهرة قائلة: في كل مجتمع وحضارة عادات سيئة وعادات حسنة تتمشى مع المكان والزمان فمثلا ظاهرة عيد الحب ظاهرة غير سيئة بمفهومها الإيجابي وعلينا في مجتمعنا السعودي دراسة هذه الظاهرة على أفراد المجتمع خاصة الشباب والفتيات فربما تعود علينا بالشيء الإيجابي، فليس كل شيء قادم من الخارج سيئا فنحن تعلمنا ودرسنا في الخارج وتعلمنا بعض المفاهيم الحسنة، ولعلي في هذا السياق ألقي الضوء على تجربتي الشخصية، فلقد زرت الولايات المتحدة الأمريكية وألقيت العديد من المحاضرات هناك وكانت المحاور الرئيسية موجهة للمواطنين الأمريكان وذلك بغية تقديم صورة عن بعض مفاهيمنا وحضارتنا وعاداتنا ولمست ان هناك تجاوبا، فلماذا نخاف هنا ونرعب أبناءنا من أي ظاهرة اجتماعية قد تأتي بالحسن والشيء المفيد؟ والسؤال المطروح لماذا نخاف ولا نكون إيجابيين ونمتلك التعبير؟ وتضيف قائلة: يجب على الأسرة الاحتفاء بهذا المفهوم ليس بعيد الحب وليس تحت هذا الاسم، ولكن بشكل آخر مثال ترك شراء الورود الحمراء وتلقي الهدايا وتنمية روح العطاء والحب وتعزيز مشاعر الحب لديهم ليحبوا وطنهم ومجتمعهم وإبعادهم عن الترهيب الفكري بطمس كل ما هو جميل أمامهم لأن هذا مؤشر خطر سوف تظهر نتائجه السلبية في المستقبل، كما يجب علينا توضيح كل الأمور المتعلقة بمفهوم الحب وتوضيح أسباب منع ظاهرة عيد الحب التي من الممكن البعد عن اسمها واستغلالها بالأمر الايجابي والاحتفاء بها على طريقتنا ليس بيوم واحد ولكن في كل أيامنا ومناسباتنا الخاصة والعامة.
|