* حوار - سلطان المهوس:
في حضرة التاريخ تتجاوز الأحداث دلالة التعبير المجرد لتمثِّل تحليلاً شاملاً لما يقف وراءها وما ينطلق أمامها من معان ومواقف وروايات.. ففي البدء يكون التاريخ وفي الختام يبقى التاريخ وبينهما تبقى ملاحم وكفاح الأجيال التي صنعته شامخة مزهوة بإنجازاتها...
عبد العزيز بن إبراهيم العبودي مؤسس الحركة الرياضية بمنطقة القصيم ورائدها الأول وصاحب الأولية في إنشاء أقدم الأندية السعودية (الأهلي - 1374هـ)..
وجهاً لوجه في (الجزيرة) التي استطاعت استنطاقه بعد صمت رهيب تجاوز أربعين عاماً..
يحكي مشوار الكفاح والترحال والمعاناة والبؤس والفقر، ويلقي الضوء على طلاسم وخفايا هو الأدرى والأعرف والأحق من غيره بالحديث عنها..
حوار تاريخي وروايات تستحق التمعن.. ها هو العبودي بين أيديكم وفي جريدتكم التي اعتادت أن تقدِّم لكم الحقيقة والحقيقة فقط.. فإلى الحوار..
البداية
منذ صباي وأنا مغرم بكرة القدم وأتحمس داخل نفسي لممارستها، إلا أن الظروف الاجتماعية آنذاك كانت لا تسمح بممارسة الكرة خارج إطار المدرسة لأن ذلك يعتبر سلوكاً سيئاً ومضيعة للوقت وخارج تعاليم الدين!!
وفي أوائل الخمسينات الميلادية سافرت مع والدي إلى المنطقة الشرقية لأجل زيارة أشقاء الوالدة (الخوال) عبدالله وعبد العزيز العبد الرحمن وكان خالي عبد العزيز يعمل في شركة (أرامكو) مدرساً وقد استطاع إقناع والدي ببقائي في المنطقة الشرقية لأسجل في مدرسة (أرامكو) وأتعلَّم اللغة الإنجليزية وقد وافق الوالد على ذلك ومنذ تلك اللحظة بدأت علاقتي بالكرة تأخذ مساراً مباشراً حيث ان الكثيرين يلعبون الكرة في الشرقية بدون منغصات أو خجل!!
لعبت في النادي الأهلي بالشرقة واحتككت مع لاعبين لديهم قدرات فنية رائعة وهذا ما ساعد في تنمية مهاراتي وزيادة خبرتي في اللعب.. وبعد أن قضيت حوالي ست سنوات في (أرامكو) عدت إلى مدينتي الحبيبة (بريدة) وكانت المفاجأة بانتظاري حيث لا يوجد أي إنسان يلعب الكرة خارج المدرسة الثانوية أو العسكرية، بمعنى أن الأفكار المأخوذة عن سلبية الرياضة ما زالت موجودة وقد بحثت علني أجد أناساً يلعبون في (السر) ولكن هيهات!! كان الكثيرون يودون اللعب ولكن خوفهم من العقاب يمنعهم من التجرؤ حتى بالحديث عنها. وكانت (بريدة) مدينة صغيرة سكانها قلة في بداية السبعينيات الهجرية وقد صممت أن أجاهر بلعب الكرة حيث إنني متخرج من (الثانوية) ولم أعد أذهب إلى المدرسة وأحب أن ألعب كرة القدم بشكل جنوني فذهبت إلى دكان صغير في منتصف شارع الخبيب يبيع أدوات بسيطة للرياضة التي لا تجد من يشتريها سوى طلاب المدرسة بحكم وجود مادة التربية الرياضية وكان صاحب المحل يدعى (عمر الجاسر) المهم قابلته واشتريت منه كرة قدم بمبلغ خمسة عشر ريالاً واستطعت تجميع عدة شباب أمثال عبد العزيز العمار وعبد الله السويل وعلي المضيان وبدأنا نلعب الكرة في كل أرض فضاء موجودة. وقد لفت ذلك انتباه الكثيرين من طلاب المدرسة الثانوية فبدؤوا يشاركوننا اللعب أمثال محمد الفايز القليش ومفرح القوسي ومحمد وحمد الوابلي وعبد الله السلمي..
التوسع ومطاردة (النواب)!!
بدأ العدد يزداد لذلك فكَّرت بإنشاء ملعب خاص بالفريق الذي أطلقت عليه اسم (الأهلي) مشابهاً لاسم الفريق الذي تدربت معه في المنطقة الشرقية وبمساعدة المجموعة تم وضع الترتيبات وتم اختبار (العكيرشة) مكاناً للملعب وتحديداً اسفل مستشفى بريدة المركزي حالياً وبدأت أقود التمارين وأوزع اللاعبين بكل حماس وبدأ الفريق يكبر ويكبر حتى انضم إلينا عدد لم نكن نتوقعه وكنت مسروراً لذلك مع أن غالبية السكان تتهمني بتخريب الشباب وكان النواب (رجال الهيئة) في مركز الخبيب دائماً ما يجبرونني على توقيع عدد من التعهدات لكي يخرج اللاعبون قبل الصلاة بمدة كافية، حيث كان الحماس يأخذنا بشدة ولكن وللأمانة كان جميع أفراد الفريق يؤدون الصلاة، ولكن (النواب) متحمسون شوي وأتذكر أنهم يأتون راكبين (الدوج) الأحمر حيث كانوا أربعة رئيسهم محمد الموسى الحمود والأعضاء عبد الرحمن الدغيشم وسليمان المقيطيب والدغيثر (رحمهم الله جميعاً) يأتون ومن الفزع يهرب اللاعبون ويقبضون عليّ وقد أخبروا والدي وطالبوه بأن أترك قيادة المجموعة وكان أبي يرد عليهم ويقول: عجزت عنه شوفوه قدامكم سووا فيه اللي تبون!
عزوف الداعمين!!
لمست وجود الكثير من رجالات بريدة ممن يؤيدون الرياضية وتشجيعها ولكن الخوف من العواقب الاجتماعية أبعدهم عنها، حيث إن البعض هداه الله كان يحرمها ومن أمثال من ابتعدوا عن الرياضة لهذا السبب أساتذة كبار في المدارس وإداريون في بعض الدوائر الحكومية (لا أرغب في ذكر أسمائهم) وكان لذلك أثر كبير في عدم توفر كثير من الاحتياجات لنا كالكرات والملابس وغيرها!!
التمرين للمميزين فقط!!
كان ملعب العكيرشة أول ملعب تنطلق منه الرياضة بالمنطقة في أوائل السبعينات الهجرية وقد بدأ فريق (الأهلي) وهو الوحيد في المنطقة في إجراء مباريات حماسية مع المجموعة التي تدرس في المدرسة العسكرية حيث توجد مدرسة عسكرية تمارس النشاط الرياضي ومن أبرز لاعبيهم خالد الميموني الخمعلي (رحمه الله) و(خضران) وغيرهم وكان مقر العسكرية في شمال بريدة وبدأ ينضم الينا عدد منهم طبعاً بعد أن تنتهي تدريباتهم العسكرية في المدرسة وأمام هذا العدد المتزايد من اللاعبين وكقائد ومدرب للفريق بدأت (أنتقي) اللاعبين المميزين للفريق وأخوض بهم التمارين لأن العدد كبير وأنا كنت أعرف الكثير من أساليب الكرة بحم الاحتكاك بالمنطقة الشرقية وليس من المعقول أن يتمرن إلا اللاعب المميز..!! وأتذكر أن حجاب بن نحيت انضم إلينا بالأخير مع أولاد الغنيم وحجاب لي معه موقف ظريف سأقوله لاحقاً!!
رائحة الانشقاق!!
كان هناك رسوم يدفعها اللاعب لكي يستطيع مزاولة التمارين وليس شرطاً أن يلعب كأساسي ومع الضغط المتزايد في عدد اللاعبين وظهور تأثر الكثيرين ممن لا يجدون الفرصة في اللعب بدأت الشكاوى تخرج من بعض اللاعبين لماذا لا تلعبوني؟! أنا دافع خمسة ريالات!! ليش فلان يلعب وأنا جالس على الحبس؟! أنا أحسن منه!! وللأمانة والتاريخ أقولها بكل صدق كنت أتمنى أن يكون هناك فريق آخر يستوعب العدد الزائد ويخفف عنا ضغط اللاعبين بحكم أن (الأهلي) الوحيد في المنطقة ولكن لم أكن أستطع أن أقدم على تقسيم الفريق لعدة اعتبارات وربما تكون عواقبها سلبية على مر الأيام..
قصة الانشقاق التاريخي!!
في منتصف السبعينات الهجرية ترك فريق الأهلي مجموعة من اللاعبين أمثال أبناء الوابلي حمد ومحمد وعبد الرحمن وحمود الرشودي وعلي الدبيخي وعبد العزيز الزبن وصالح العبودي ومحمد السيف وغيرهم واتجهوا جنوب ملعب الأهلي ليؤسسوا فريقاً أطلقوا عليه (السعودي) ومن ثم (الشباب السعودي) وكان سبب تركهم للأهلي هو تزايد عدد اللاعبين في التمارين وعدم وجود فرص للعب باستمرار إضافة الى عدم وجود أي فريق آخر غير الأهلي يمارس فيه أبناء بريدة تمارينهم ومبارياتهم ومن يدعي غير هذا الكلام يغالط الحقائق ويقلب التاريخ. وليس الهدف من كلامي أن أرجح أمر على أمر ولكن لا أريد لتاريخ رياضة مدينتي أن يتشوَّه ويجب أن يسدى الشكر لأهله ويعلم الله أنني كنت مبسوطاً من خروج لاعبين من الأهلي ليأسسوا فريقاً آخر لأن ذلك من مصلحة الرياضة..
لا وجود لفريق (الزهرة)!!
لا يوجد فريق في بريدة يحمل مسمى (الزهرة) ولو وجد فريق آنذاك بهذا المسمى لعرفه الجميع وتحدثوا عنه وليت (الزهرة) كان موجوداً لكنا لعبنا معه مباريات ودية!! لا يوجد فريق غير (الأهلي) وبعد تزايد عدد لاعبيه أُسس (السعودي) هذا ما يعرفه الجميع ولا يوجد ملعب سوى ملعب (الأهلي) وبعده ملعب الشباب. ثم دعني أتساءل أين كان يتمرن لاعبو فريق (الزهرة)؟!! لا يمكن أن أقول لك سوى الحقيقة التاريخية التي عاصرتها والتي يعرفها كل من عاش في تلك الحقبة الزمنية التأسيسية لرياضة القصيم.
وعندما أقول (فريق) فإنني أعني أن هناك ملعباً وعدداً كبيراً من اللاعبين وليس ثلاثة أو أربعة يلعبون على (ماسورة كهرباء).
أمر طبيعي
كان من الممكن أن يتأسس فريق ثالث ورابع لو ازداد العدد مرة أخرى في كلا الفريقين وهذا شيء طبيعي ومشاهد ولو تتبعت فرق المملكة ورجعت إلى تاريخها لوجدت أن هذا الأمر طبيعي جداً.
هذا الرجل أشعل (التعصب)!!
بدأت كرة القدم تأخذ حيزاً كبيراً وازداد محبوها مع وجود فريقين ببريدة وكان لاعبو الفريقين إخوة وزملاء وأصدقاء ولم يكن هناك (تعصب) وخروج عن المألوف من قبل اللاعبين أو الجماهير إلا أن موقفاً حصل قبل إحدى مباريات الفريقين حوّل مسار التشجيع وأوجد نوعاً من التحدي والتنافس الرهيب والتعصب، وتتلخص قصة هذا الموقف أنه وبحكم احتكاكي القديم مع فريق (الأهلي) بالمنطقة الشرقية عرفت فائدة الاستعانة بالأجانب وقدرتهم على تنمية مهارات اللاعبين المحليين لأن الكل سيقلِّدهم ويتعلَّم منهم؛ ولذلك استعنت بلاعب اسمه عون الزبيدي ولاعب آخر اسمه عبد الكريم مسعود وكانا يعملان في البنك الأهلي ببريدة ولديهما خبرة كبيرة في اللعب ويملكان مهارات مميزة يتذكرها كل من لعب في الفريق آنذاك. وفي أحد لقاءاتنا مع فريق الشباب وقبل المباراة كانت جماهير الأهلي على (حبس) الملعب - الحبس هو الساتر الترابي على جوانب الملعب - تردد يعيش فريق الأهلي يعيش.. وفي المقابل جماهير الشباب تردد نفس التشجيع إلا أن هناك شخصاً من الذين انشقوا من الأهلي وأسسوا الشباب خالف المتعارف عليه وبدأ يردد: يعيش فريق الأجانب يعيش فريق الأجانب.. وبالطبع يقصد فريقنا (الأهلي) لأنه أول فريق يسمح بمشاركتهم، ومن تلك اللحظة بدأت شرارة التنافس الذي تحول وللأسف إلى (تعصب) شديد أثَّر على تقدُّم الكرة في بريدة وساهم في تأخير تطورها وتميزها على الرغم من وجود نجوم ولاعبين من طراز نادر من كلا الفريقين. وسامح الله ذلك الشخص (تحتفظ الجزيرة باسمه)!!
واستمررنا في الاستفادة من الأجانب الموجودين في بريدة أمثال الدبلي من السودان وكان يعمل في سوق الذهب أما (الشباب) فظلوا متأخرين في استغلال ذلك وهذا شأنهم وهم أحرار فيه)...
أول لجنة إدارية للأهلي!!
ازدهر الفريق وأصبح هناك أنظمة إدارية صارمة وتكوَّنت لجنة إدارية وكنت المسؤول الفني عن الفريق قائداً ولاعباً وعضواً في اللجنة الإدارية المسؤولة عن الفريق والتي تملك صلاحيات المخاطبات الرسمية مع الفرق الأخرى وتنظيم اللاعبين وتسجيلهم وتعيين (الجابي) لاستحصال الرسوم من اللاعبين ومعاقبة المخطئ منهم ومن أبرز أعضاء أول لجنة إدارية في الأهلي عبد العزيز العمار ويوسف العمار وغانم العبد الله الغانم وعبد الله العويد وعبد الله النصير ومحمد الوابلي وعبد الرحمن المضيان. وقد شكّلت لجنة أخرى بعدها بالتصويت بتاريخ 25 -7 - 1380هـ، وبالتحديد يوم الخميس وتكوَّنت من:
1-غانم الغانم - رئيساً للفريق.
2- عبد الكريم مسعود - عضواً ومحاسباً ومستشاراً أول للفريق.
3- إبراهيم الراشد - سكرتيراً للجنة.
4- عبد العزيز العبودي - كابتن الفريق.
5- عبد العزيز العمار - نائب الكابتن.
6- علي المضيان - كابتن كرة الطائرة والسلة.
7- عبدالله النصير - مسؤولاً عن دخل الفريق الخارجي.
8- محمد الوابلي - مسؤولاً عن دخل الفريق الداخلي.
9- عون الزبيدي - عضواً.
10- يوسف العمار - عضواً.
11- عبد الرحمن المضيان - عضواً.
نظام اللاعبين
أصدر الفريق الأهلي في يوم 28 - 2 - 1380هـ نظاماً لا بد أن يطبقه جميع اللاعبين المنتسبين للفريق وينصُّ على عدة بنود أهمها التحلي بالروح والأخلاق الفاضلة داخل الميدان والخضوع لتعليمات المسؤولين. ويحق للرئيس أن ينسِّق أي لاعب يخل بالشرف والأمانة وإخلاء مسؤولية الفريق في حالة حدوث إصابة للاعب أثناء المباريات، وفي حالة وجود ظرف يمنع اللاعب من أداء المباراة فإنه يجب أن يخبر كابتن الفريق قبل المباراة بخمس ساعات ويمنع من الدخول إلى أرض الميدان إلا بعد إذن الحكم، وعلى اللاعب أن يدفع ثلاثة ريالات شهرياً للفريق بعد أن تم التخفيض، وعلى اللاعب عدم البقاء بالملعب بعد صافرة نهاية التمرين..
| 
