الثقافة هي مجموع المعارف والأفكار وأشكال الإبداع الفني والأدبي المختلفة، وهي المحصلة النهائية لإفادة الإنسان من المعارف والعلوم والآداب والفنون ومن التقاليد والعادات، لتطوير ملكاته العقلية ومهاراته اليدوية والفنية وصقل وجدانه وليحرك كل هذا إرادته في مواجهة الظروف المحيطة به.
بهذا المعنى فالثقافة تشمل أسلوب - أو أساليب - الحياة للناس في مجتمع من المجتمعات، أو جماعة من الجماعات، فمضمون الثقافة بمعناه العلمي يحتوي على كل ما يعمل في هذا المجتمع ومن يعمله، وكل ما يقال فيه ومن يقوله، وكل ما يصنع فيه ومن يصنعه.
ومن هنا فإن تربية العقل البشري حتى يقوى ويشتد، مهمة يجب أن تضطلع بها الثقافة، واحترام العقل البشري والعمل بما ينتهي إليه من حقائق علمية أمر يجب أن تضطلع به الثقافة أيضاً.
ويجب أن تنمي الثقافة لدى الإنسان مجموعة من المبادىء والقيم التي تضبط غرائزه وتساعده على استثمار النتاج العلمي العقلي لصالح المجتمع.
ولكن في دوامة البحث عن الجديد في الثقافات الأجنبية دون التنبه الواعي للحفاظ والحرص على الثقافة الوطنية الأصيلة.. قد يظهر الخطر الذي اكتسب أبعاداً كبيرة على صعيد العمل الثقافي في العديد من الدول النامية، وهو خطر (السيطرة الثقافية) الذي يؤدي إلى تعريض (الذاتية الثقافية) للمجتمع للخطر نتيجة الاعتماد على نماذج ثقافية مستوردة اعتماداً يكاد يكون كلياً، وهو ما يشكل تأثيراً طاغياً لثقافات الأمم القوية والمتقدمة على بعض الثقافات الوطنية، ويساعد على زيادة هذا التأثير التطور التكنولوجي الكبير لوسائل الإعلام التي تتيح انتشار هذه النماذج الثقافية التي تعرض قيماً وأساليب حضارة غربية على العديد من المجتمعات.
ولما كانت الذاتية الثقافية هي الشخصية الثقافية للمجتمع والقوة التي تحركه وتؤدي إلى تماسكه وتدافع عنه ضد أية قوة خارجية تحاول السيطرة عليه وتعبىء موارده وتتجه بها نحو الأفضل، فإن الحفاظ على هذه الذاتية الثقافية في مواجهة محاولات التحول إلى نمط عالمي موحد أصبح ضرورة ملحة ومسؤولية ثقافية واجتماعية أساسية، حيث دلت الدروس المستفادة من تجارب دول عديدة على ازدياد احتمالات أخطار تشويه الذاتية الثقافية القديمة الثرية الغنية التي لم تتنبه إلى الحفاظ على ثقافتها الوطنية وفتحت الباب على مصراعيه لثقافات غربية وافدة اجتاحت الذاتية الثقافية لها وشوهتها وعرضتها للكثير من المخاطر.
إن مسؤولية أجهزة الإعلام والثقافة هنا تكمن في كيفية التصدي لأية محاولة بقصد السيطرة الثقافية أو تشويه الذاتية الثقافية، ويمكن أن يتمثل ذلك في الانتقاء الواعي للمادة الثقافية الوافدة بالقدر الذي يتيح الانفتاح على الثقافات الأجنبية وإثراء الثقافة الوطنية الأصيلة في الوقت نفسه، والتخطيط الإعلامي - الثقافي الواعي- هو الذي يأخذ من الثقافات الأجنبية القدر والكيف الملائمين لدعم الثقافة الوطنية، وحماية الذاتية الثقافية للمجتمع.
|