لكل عمل شرعي او دنيوي اطره ونظمه التي تحكمه، والتي تتطلب من منفذ هذا العمل التقيد بها لصالح هذا العمل، وان هناك قاعدة شرعية هامة يجدر بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الفقه بها وتذكرها بشكل دائم ومتواصل، وهي من اهم الامور ومن اعظم الواجبات، فلقد بعث الله الرسل وانزلت الكتب لهدف الامر بكل ما فيه صلاح، والنهي عن كل ما فيه فساد وكل ما امر به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صلاح او فيه مصلحة.وهذه القاعدة ترتبط بما جاء امر الشارع به من حيث جلب المصالح وتحصيلها ودفع المفاسد وتقليلها، مما يتطلب معه من الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ان يعرف متى ينبغي الامر فيأمر بالمعروف، ومتى ينبغي النهي عن المنكر فينهى، وألاّ يكون همه ازالة المنكر بغض النظر عن الامور التي قد تحدث او تترتب بعد ذلك، فقد يحصل من المفاسد اكثر من زوال ذلك المنكر المقصود، وعلى ذلك ينبغي ان ننشد من الامر والنهي حصول المصلحة كخلاصة نهائية للعمل.
ولا يفوتنا في هذا المقام التنبيه على نقطة وهي من اهم الامور الا وهي اخلاص النية لله تعالى بحيث لا يشوب هذا العمل الرباني شائبة من ارادة النفس وحظوظها؛ لأن الانسان قد يكون مبدأ امره ونهيه الاخلاص ثم لا يلبث ان يتحول الى الانتصار للنفس، كأن يأمر رجلا بالصلاة فيشتم المأمور الآمر نفسه، كما لا يفوتنا التأكيد على الامر بالحكمة وقد امر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يدعو الناس بالاسلوب الحسن، ويقول سبحانه وتعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، وقال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} اي: ليكن دعاؤك للخلق الى سبيل ربك المستقيم المشتمل العلم النافع والعمل الصالح برفق ولين وحسن خطاب، ومن الحكمة البدء بالاهم فالأهم، وبما يكون قبوله أتم، واذا لم ينفع اللين واللطف، ولم يُجدِ الوعظ والتذكير والرأي الرشيد الحليم، فانه يُصار الى الغلظة والشدة والكلام الخشن؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له طرق ووسائل منها ان يكون باللين وبالحكمة، ويقصد بذلك هداية الناس واصلاح من زلّ عن الطريق، والا يقصد الآمر والناهي التعالي على الناس وانما هداية الناس واصلاحهم من خلال الطريق السليم، والطريق الذي فيه التأليف بين الناس باسلوب حسن يقبل منه ويوصله الى المقصود بحسن ولين.
فالله اخبر عن الامة المحمدية انه خلقها وجعلها خير الناس، وبيّن سبب هذه الخيرية بقوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} فاذا تم الايمان للعبد واتصف بهذا الوصف وهو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد اتصف بالخيرية التي وصف الله بها امة محمد صلى الله عليه وسلم وانها خير الناس وخير ممن قد سبقها من الامم؛ لانها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
(*)رئيس مركز هيئة ينبع النخل |