لا أحبذ الحديث عن النفس ولست ممن يتزحلقون عبر زواياهم بكل نرجسية واناء ويتحدثون عن أنفسهم وماذا حدث لهم لأن القارئ أصبح فطناً ذكياً لايهمه ماذا حصل لهذا الكاتب أو ذاك من مواقف، فالذي يهمه في المقام الأول هو قوة الطرح ونوعية الفكرة ومناقشة بعض القضايا المهمة في المجتمع التي تعود عليه بالنفع، ولكنني هذه المرة س(أتنرجس) قليلا وليسمح لي القراء بهذه (الهفوة) إجبارياً فالمناسبة والحدث أجبراني على الخروج عن النص، والذي أرنوا إليه هو أن الارتباط بالصحراء والأيام الخوالي أمر مهم توارثناه أباً عن جد منذ الأزل لأننا قوم نحب الصحراء بقسوتها وجمالها اذا (أجدبت) فما بالكم اذا اخضرت وأينعت وأزهرت؟!
لقد تعلقت بحب الصحراء منذ الطفولة في رحلات والدي - أطال الله في عمره- مع رفاقه حيث كان لا يمر عام إلاّ بأمطار غزيرة يتبعها بإذن الله أعشاب كثيرة حيث تجود الأرض بخيراتها من كل لون وزهر ورائحة.. وكان والدي وصحبه يصطادون الحجل والضبان والأرانب حين كانت في وفرة عالية في شعاب نجد وهضابها قبل أن يقضي عليها أعداء البيئة بصيدهم الجائر واستنزافهم المُريب حتى خلت صحراؤنا تماما من المخلوقات البرية العجيبة والتي انقرضت بفعل الفاعلين وعبثهم.
وتدور الأيام ونتحول إلى زمن (العصرنة) والمدنية ونهجر القرية والصحراء زامن ذلك سنوات عجاف خالية من المطر إلا فيما ندر وهذا ما جعلنا أيضا نتخلى عن عشق الصحراء وأيامها الجميلة ولكن بعد أن من الله علينا بالغيث وجادت علينا السماء بالماء لتجود علينا الأرض هي الأخرى بالخضرة والنقاء
في سنة الخير والأمطار هذه ذكرنا كل ذلك بالماضي وعدنا إلى الصحراء مرة أخرى كما كنا في الماضي ولكن هذه المرة في (روضة التنهاة) الحالمة أو جنة الأرض في الدنيا!!
لقد عشت أياماً أشك أنها سوف تتكرر إلا ماشاء الله بين (شبة السمر) وشميم العرار وروائح النفل العابقة وروعة الأقحوان ونظرة الخزامى في روضة التنهاة الحالمة مع مجموعة من الأصدقاء والأحباب حيث كان الهواء العليل وزرقة السماء التي يتخللها سحابات عابرات مع خضرة الأرض التي تبدو للناظر للوهلة الأولى وكأنها بساط فرش بأجود أنواع الأعشاب والزهور برسم الخالق عز وجل.. فما أجود أرضنا وما أجمل صحراءنا إذا من الله عليها بالغيث الدائم فهي بطبيعتها أجمل الف مرة من صحراء أوروبا وأروع مليون مرة من سهول وغابات إفريقيا!!.
أعود إلى روضة التنهاة والروضات الأخرى المجاورة لها وأقول إن من لم يزرها في إجازة العيد أو يقضي فيها جزءا من عطلته فقد خسر كثيراً.. وأعني بذلك مئات الآلاف من المواطنين الذين فضلوا عليها زحمة دبي وازعاج القاهرة وضجيج البحرين وبرد بيروت، أقول: لقد فاتكم الهواء العليل والخضرة المثيرة (وشلائخ السمر) وجلسة الخيمة الهادئة والشواء من لحم (الغزال المُعلق) على الشجرة والذي ذبح للتو بعد أن شبع من العشب وتغير لون وطعم لحمه من اللون الأسود إلى اللون الأبيض حيث اكتسى لون زهور العشب البيضاء.. كل ذلك فاتكم يامن خسرتم الآلاف و (تمرمتطم) في المطارات (وتبهذلتم) في العثور على (سكن) والأدهى والأمر حجوزات الطيران!!
إني أسألكم بربكم ماذا لو حجزتم لخيمتكم جزءاً من روضة التنهاة أو روضة خريم أو الشوكى؟! وما الفائدة التي ستجنونها وماالفرق بين ما أنعم الله به عليكم وعلى بلادكم من خير وما سافرتم إليه وخسرتم كل شيء؟! وماالفرق ايضاً بين الجلسة على العشب الأخضر والهواء العليل أو السجن في غرفة بفندق يحيط بها الضجيج من كل جانب وتفتقد إلى الأكسجين؟!..
|