قال العجوز عندما مرّ بي وأنا أصنع السفينة:
-لا تصنع سفينتك يا ولدي وتنام عنها.
-لم يا عم؟
-حتى لا تحرقها حورية البحر
ضحكت من طرافته قائلا:
-إني بحار قوي عرفت البحر ولا بد ان تعرفني.
نحن أبناء القرية البسطاء لا نعرف إلا سواعدنا ولا ننتج إلا بها، فنرث الصبر والبحر من الجد والأب ويرثنا أيضاً البحر.
هذه أول رحلة للصيد في قاربي الصغير.. شهور وأنا أصنع السفينة الصغيرة فانفقت عليها الجهد والمال.
مع الفجر.. مع النور.. تكون رحلتي مصيري.. إني أتوق لتلك الرحلة.
يعجبني النفر الثلاثة الذين هم منذ زمن طويل يبيعون السمك للقرية والناس المجاورين، عما قريب سيصبحون أربعة، إني أحبهم.. أرنو الى خطواتهم المباركة.
-السلام عليكم أيها الصحبة..إني أتوق للعوم معكم أيها الصحبة
-....................
-إنهم يبتسمون لي ويهزون رؤوسهم.
غدا إن شاء الله تبدأ الخطوة.. إن الشوق إليها يهز قلبي.. شيء عظيم أن تتحقق الأحلام وتتجسد الاماني.
إني أحب هذه القرية ولن أهاجر كما فعل من قبلي الشباب.
إنهم ضعفاء إذ تنازلوا عن وطنهم بسهولة.
إن عيون فاطمة علمتني كيف أبحر وأصل.. كيف أفكر وأعمل
غدا سيشرق الصباح.. الصباح
الديك يصيح.. (اللهم إني أسألك من فضلك)..
ارتديت ملابسي وإلى الشاطىء
هناك الباخرة العظيمة للنفر الثلاثة وقاربي الصغير بجانبها..
متى ستنمو.. متى ستغدو باخرة تصيد السمك وتبيع الناس وتجمع المال كالنفر.
إني أركض والأرض تركض من تحتي، إن قلبي يرتجف وصدري يضيق لا أدري فرحا أم فزعا إنه ينبسط وينقبض.
لأجلك يافاطمة سأصمد وأجول، إن الشباب الذين تكسرت مجاديفهم عند خرافة (حورية البحر) لن يهزوا ثباتي.. لابد أنهم كان لهم أعداء وأفسدوا عليهم الآمال.. أما أنا فالحمد لله لم أعاد أحدا ولم أكره أحدا، إني أحب القرية واحب أهلها، إن عيون فاطمة السوداء حلم ملأ قلبي فلم يعد يتسع لشيء سواها.
إن أهل القرية كلهم يبتسمون لي، يصافحونني.. يعانقونني.. كانوا يمدون أيديهم لي وأنا أصنع القارب، حتى النفر الثلاثة بعضهم كان يدعو لي وبعضهم أعطاني مالا حتى أتم قاربي، إنهم يحبوني وأنا أحبهم.
لاحت صفحة البحر الزرقاء.. إنها جميلة منبسطة.. مكشوفة لا حدود لها ولا جدران.. لا سواد فيها ولا رماد..
تحتها السمك والنبات والمجوهرات.
إنها صفحة جميلة مشرقة وما تستره جميل ومشرق ورائع إنها صنع الخالق العظيم.
* مديرة وحدة التربية الإسلامية /مكتب الجنوب
|