لدينا كم هائل من الأنظمة الجيدة، ولدينا القليل منها الذي يحتاج إلى المراجعة، ولدينا كم هائل من الإجراءات ولدينا مثلها الذي يحتاج إلى مراجعة ثم مراجعة ثم مراجعة الإجراءات تقف عائقاً كبيراً، وكبيراً جداً في فتح الآفاق أمام الشباب الذي يحتاج شق طريقه في نيل عيشة كريمة على تراب كريم.
الإجراءات تحتاج إلى معقِّب، وإلى معارف، وإلى توصية حتى يمكن إنجازها أو تجاوزها، وهكذا يمكن للشجاع أن يقدم مع عنصر مخاطرة تجاربه في رفض طلبه أو قبوله، والجبان يحجم عن القدوم حتى لا يتعرض للمشاكل التي قد تنجم عن إقدامه ومن ثم استرساله في إجراءات لا طائل من بعضها.
هناك بعض الإجراءات التي وضعت منذ مدة طويلة، ومع هذا فهي لم تتغيَّر مع تغيُّر الظروف والأوضاع، كما أنها تقع عائقاً في سبيل العمل والإنجاز لمن لا يحسن الإقناع بتجاوزها، أو لم يجد سبيلاً إلى ذلك، وستبقى كذلك حتى يلتفت إليها البعض.
هناك أمثلة كثيرة لمثل تلك الإجراءات التي نعلم مبررات بعضها ونجهل البعض، والإجراءات المبررة ضرورة يجب تطبيقها، أما تلك غير المبررة في الوقت الحاضر فمن المؤمل مراجعتها، وهناك من المبررات التي قد تكون لازمة لسد ثغرة معيَّنة غير أن ما تجلبه من منفعة في عمرها قد يؤدي إلى مضرة أكبر، ولهذا فقد يكون من المناسب تجاوز مثل هذه الإجراءات مع العلم بمنفعتها طالما أن ضررها يكون أكبر، وهذا يحتاج إلى شجاعة عند واضع الإجراءات مهد الأجهزة التنفيذية.
وعلى سبيل المثال فقد ذكر لي أحد الإخوة أنه كان يرغب في فتح مقهى إنترنت، وتسلَّم قائمة بالشروط والإجراءات الواجب اتباعها وكان من ضمنها ألا تزيد الفتحة عن 8 أمتار، وألا يكون المقهى من دورين، قد يكون هناك مبرر نجهله، لكنني لا أفهم الحكمة من عدم قبول الدورين، حتى وإن كان هناك حكمة منه فهل تساوي حرمان صاحب المحل من الاستفادة من الدور الثاني ليكون مكتباً له لست أدري؟ فقد يكون الأمر يحتاج على مراجعة.
ذكر لي آخر أنه أراد أن يحصل على ترخيص دواء فكان هناك عدد من الإجراءات من ضمنها الطلب منه معلومات لها علاقة بالشركة، ورخصها في الدولة المنتجة وخلافه، وأعتقد أن من الأيسر أن تتم الطلبات عبر السفارات لتقوم بمخاطبة الجهات في ذلك البلد والغرف التجارية وعدم مراجعة طالب التسجيل لوزارة الصحة إلا بعد ثلاثة أو أربعة أشهر ليكون الأمر قد تم بالقبول أو الاعتذار دون تدخل منه أو تأثير.
الإجراءات هي الأداة التنفيذية للأنظمة وهي القوة الدافعة والحافز الأساسي لتسيير العمل وبدونها لا يمكن أن تسير الأمور بالشكل المطلوب وأن يتحقق الهدف من دفع عجلة التنمية وتسارعها بالشكل المطلوب.
الأنظمة يمكن سنَّها من قبل الخبراء ويمكن الحصول عليها من الكتب ومحاكاة الغير، بينما الإجراءات تعتمد على المنفذ من مناحٍ كثيرة، فهي تعتمد على مدى اتساع أفقه أو ضيقه، وعلى مدى فهمه للنظام وحدود تطبيقه والغاية من سنِّه، كما تعتمد على تجاوز أهوائه وشهواته، وقدرته على ذلك.
الإنسان مجموعة من العواطف المؤثِّرة على سلوكه وتصرفاته، ومنها ما ينعكس على اتخاذه للقرار عند تنفيذه للإجراءات، فيمكنه أن يؤخِّر العمل أسابيع بادعاء الانشغال إذا كان كسولاً أو ملولاً، أو ينفذه في حينه إذا كان نشيطاً كما يمكنه سرعة الإنجاز لمن يحب أو اتبع أهواءه.
ولذا فإن رئيس الجهاز يمكنه الحد من هذه التدخلات الشخصية وانعكاسها على العمل عن طريق تسهيل الإجراءات ووضوحها والحد من تناقضها.
الإجراءات ستظل هي الأداة المؤثِّرة في سرعة الإنجاز ودفع عملية التنمية والتطوير وهي تعتمد في المقام الأول على رؤساء الأجهزة وقدراتهم على تنظيمها، لهذا كان من الأنسب اختيار المدراء القادرين المتمكنين حتى يمكن دفع عجلة التنمية بشكل أسرع.
|