الخميس:
قال لي محدثي: هناك موضوع ربما لم يتطرق إليه قلم كاتب من كتابنا، ولم تهتم له صحيفة من صحفنا رغم أهميته فهو في - نظري - ينبع من هنا ويصب هناك؟
قلت: أي موضوع هو؟
قال: ألا تقرأ تلك المجلات الغربية التي تصل إلينا من الخارج؟
قلت: بلى، اقرأ البعض منها.
قال: ألم تلاحظ فيها ما يلفت النظر بالنسبة لنا؟
قلت: من أية ناحية؟
قال: أولئك الشباب والشابات السعوديين من شداة الشعر وكتاب المقالة والقصة الذين تمتلئ تلك المجلات بإنتاجهم حتى لكادوا يغطون بانتاجهم صفحاتها، واصبحت تلك المجلات تعيش على نتاجهم مادياً وفكرياً.
قلت: حقيقة ما قلت يا أخي، وان ذلك ليحز في نفسي ويجعلني اتساءل عن موقف المسؤولين عن المؤسسات الصحفية ببلادنا عن هذه الناحية؟
أليس من الأولى ان تستغل هذه الخامات الشابة والبراعم المتفتحة بفسح المجال أمام نشر إنتاجها من شعر ونثر وقصة بعد الغربلة وتشجيع كل طائفة نحو المجال الذي تخصصت فيه؟
نعم.. في استطاعة صحافتنا ان تحول إليها هذا النهر الدافق بدلا من ان يصب خارج الحدود.. باستطاعتها ان تفتح صدرها بكل رحابة وتحتضن هؤلاء الكتاب وتمهد السبيل أمام هواياتهم الفكرية المختلفة، فأول الغيث قطرة ثم ينهمر. باستطاعتها فتح أبواب التعارف ونشر الصور مقابل رسوم زهيدة اقل بكثير مما يحول للصحف الخارجية.. ان البعض من الصحف المعنية أصبحت تعلن في صفحاتها ترحيبها الحار بالكتاب الناشئين من السعوديين على الأخص واستعدادها التام بنشر كل ما يبعثون به إليها..على اننا إذا نظرنا من زاوية خاصة نجد ان البعض من هؤلاء الناشئين لم يلجأوا إلى الكتابة في الصحف العربية إلا لأن نتاجهم قوبل بالرفض وعدم التشجيع من قبل صحفنا الأمر الذي دفعهم إلى التسابق بإنتاجهم إلى تلك المجلات.
وقد يقول قائل إن صحافتنا لا ترفض إلا ما يتفق والمبدأ، فأقول نكيف ما لا يتفق إلى ما يتفق ونحسن التوجيه وحينذاك نصل إلى الغاية ونضمن المصلحة.
قال:
ان المسؤولين عن صحافتنا - سامحهم الله - لم يولوا هذه الناحية أهمية والا لما حصل ذلك، فنتاج الكاتب الجديد لا ينظر إليه من قبلهم نظرة تقدير وتشجيع بل نظرة تختلف عن ذلك، فالكاتب في نظرهم هو المشهور فقط وما سواه فإلى سلة المهملات أو إلى الردود العنيفة بعدم صلاحية الإنتاج.. بما يسد النفس وما لا يبعث على المواصلة والمحاولة.
قلت:
لا اظنهم كذلك.. ولا أظنهم يجهلون ان بداية كل عبقري على وجه البسيطة كانت من قاعدة اسمها (المحاولة) وهذه المحاولة محفوفة بالفشل حيناً وبالنجاح حيناً آخر.
قال: أجل ان عليهم فسح المجال أمام هؤلاء الكتاب الجدد وتوجيههم التوجيه السليم ونشر انتاجهم وإرشادهم إلى أصول الكتابة وفن القصة واصول الشعر بأسلوب ينشد الخير ويدفعهم لمضاعفة الجهد وتكرار المحاولة ومن سار على الدرب وصل.
قلت: من خلال هذه الوسيلة نستطيع استظهار الكتّاب والشعراء والقصاصين وحاشا ان يكون من بين المسؤولين عن صحافتنا من يمثل الانانية ويضمر الحقد ويوصد الابواب أمام الاقلام الشابة والبراعم المتفتحة، فعليهم تعلق الآمال الجسام والله من وراء القصد.
***
الجمعة:
ذكرى عزيزة..
تاقت نفسي إلى البرية.. حيث جمال الطبيعة.. والانسام العليلة بعيدا عن صخب المدينة وحركتها الدائمة المقلقة.. فحققت لها الرغبة.. ومشيت إلى ضاحية من ضواحي المدينة في ساعة كان وقتها اصيلا, وفي أحد - الكازينوهات - اخذت مقعدي وفي أثناء جلستي عادت بي الذاكرة إلى ما قبل بضع سنوات خلت.. جمعتني فيها الصدفة وفي الرياض الفيحاء بالذات بالاخ الاديب الشاعر (على أحمد النعمي) فقضيت وإياه وقتاً طيباً استعرضنا فيه الشؤون الأدبية والصحفية ببلادنا في إطار مصغر ثم افترقنا بعدها على أمل اللقيا، إلا اننا لم نلتق بعد ذلك إلا من على البعد ومن خلال صفحات الصحف والمجلات.
وعندما اقترب قرص الشمس على المغيب فقت من هذا التذكار لمهجعي مترنما بالأبيات التالية والتي أهديها لصديقي الشاعر علي احمد النعمي تخليدا لذكرى الاخاء ورجعاً لاصداء حنينه:
أيها الشادي بألحان الوفا
شدوك الحاني الينا قد وصل
كم تغنينا به في لوعة
في لحون شيقات لا تمل
وبدا الماضي لنا في صورة
شبه بدر غاب عنا فأطل
وله غنت ربانا والحمى
فتولى الحزن عنها واجفل
نحن مازلنا على العهد وما
غير البعد - هوانا - او ذبل
فاذكر الماضي وعدنا بالوفا
نحفظ الحاضر نشدو بالأمل |
|