كنت أقلب قنوات التلفزيون وتوقفت فجأة عند أحد المشاهد حيث لفت انتباهي ما حواه من مجموعة فتيات في مقتبل العمر. في البداية لم أعرف ما نوع البرنامج ولا فكرته وهذا ما شدني للتوقف عنده حيث لم يكن فيلماً سينمائياً ولا عرضاً مسرحياً، وبعد دقائق أجزم أنها لم تتعد الثلاث فهمت فكرة البرنامج والهدف منه. حيث كان يدعو للانحلال فقط ولا شيء غيره. وتكمن خطورته المزدوجة في أنه يبث دعوة غير مباشرة إلى فتيات المسلمين خاصة في مجتمعنا المحافظ إلى عمل علاقات مع نفس الجنس وما يتبعها من غراميات وحركات غير مقبولة وقُبل متبادلة وتعرٍ فاضح. ثم مكمن الخطورة ليس في هذا فقط بل إنه يصور الأمر وكأنه حياة طبيعية في منتهى البراءة، فتغتر بذلك كثير من المراهقات فيعتقدن أن الأمور طبيعية والحياة تسير بهذا الشكل ولا بأس من عمل الشيء نفسه مع قريناتهن. عندما رأيت كل تلك المشاهد أصبت بالدهشة وخيل لي أن شخصاً ما قد غير برمجة القنوات في جهاز الاستقبال الخاص بي حيث إني قد ألغيت جميع القنوات الهابطة والتي عرفت بخدشها للذوق العام وعرضها ما لا تحترم المشاهد عند بثها فهي تنتقي برامجها بعناية. دعني أعود الى الوراء عزيزي القارئ قرابة الثلاثة عشر عاماً تقريباً عندما بدأ البث الفضائي المباشر على بلدان المسلمين، حيث كنت أعلم علم اليقين أنه سوف يحوي الكثير من الشرور وبعض الخير الذي يمكن الاستفادة منه. وكنت أعتقد أن الإسفاف والابتذال والدعوة إلى السفور والانحطاط سوف تأتينا من الخارج وسوف يكون بإمكاننا التصدي لها ولو على الأقل بحذف جميع المحطات الخاصة بهم. ولكن ومع مرور الوقت وبتعايشنا مع تلك القنوات وما تبثه ومعرفتنا للهابط منها ومصدره تمكنا من السيطرة وبشكل لا بأس به على ما نرغب في مشاهدته. واتضح لنا أن القنوات الغربية التي تعاملنا معها بحذر في بادئ الأمر تتعامل مع أذواقنا بمنتهى الاحترام فلا يصدر منها ما يسيء بشكل مباشر لنا أو لأبنائنا وإن صدر منها شيء غير لائق فنحن نعرف أنه صدر من جهات غير متوافقة مع عاداتنا وتقاليدنا. كما أن معظم أبنائنا إن لم يكن جميعهم لا يشاهدون تلك القنوات. رغم محافظتها النسبية إن لم أقل تحشمها التام حين نقارنها ببعض القنوات العربية خاصة تلك التي تبث من دول معينة وهدفها الهدم فقط، والإشكال أنها مدعومة من قبل تجار هذه البلاد فجميع إعلاناتها التجارية ومواردها المالية من خيرات هذا البلد وتقابل ذلك الإحسان ببث ما يتنافى مع عادات وقيم وتقاليد مجتمعنا وديننا الإسلامي الحنيف الذي يدعو إلى العفة والفضيلة. وحقيقة إني لأتعجب من سكوت الكثيرين في دولنا العربية المسلمة على ما يبث وعدم استنكارهم له، فلا أدري هل ما أراه بغيضاً منفراً يرونه مألوفاً بسبب إطلاعهم على ما هو أكبر فاستمرءوا ذلك من أنه وإن كان أكبر وأكثر فحشاً وقبحاً في ظاهره لهو أقل خطراً من ذلك البرنامج الذي أتحدث عنه. فذلك البرنامج يصور لك الشيء وكأنه أمر طبيعي يصدر من فتيات في منتهى البراءة وفي حقيقته أبعد من ذلك بكثير. وهذه الطريقة من البث تعد جديدة ليس على مستوى عالمنا العربي بل على العالم أجمع حيث انتهى عصر التلقين أو النصيحة المباشرة وهو الأسلوب الذي كان متبعاً في السابق ويرتكز على ترغيب المشاهد بما يعلن عنه بطريقة مباشرة فمن شاء تبع ومن شاء أمتنع. أما اليوم فينهج أسلوب الغزو غير المباشر، فتجد على سبيل المثال لا الحصر الإعلان عن نوع من السجائر يصور بطريقة جذابة جداً وفي مشهد في غاية الرومانسية مع فتاة في منتهى الجمال وعندما يتم اجتذاب المشاهد للحدث ويتأكدون من انصهاره في المشهد وإدمانه معه يقومون ببث ما يريدون كأن تخرج تلك الفتاة ذلك النوع من السجائر المراد الإعلان عنه وتشعلها وتمسكها وتتنفسها وتنفثها بطريقة ساحرة جداً وهي في تلك اللحظات لا تخاطب المشاهد مباشرة بل تخاطب عقله الباطن الذي أصبح مفتوحاً على مصراعيه لاستقبال تلك الدعاية الفاسدة فيسقط فيها كثيرون وخاصة فئة الشباب وبالذات الفتيات. وعودوا إن شئتم إلى الإحصائيات التي تتحدث عن أعداد المدخنات في بلادنا العربية التي ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة - وأرجو أن لا يغضب كلامي هذا بعض من لديهم مثالية زائدة من الأحبة القراء مع احترامي وتقديري الشديدين لهم، فما أقوله حقيقة يجب معالجتها لا السكوت عنها بدواعٍ غير منطقية- ثم إن الأمر لا يتوقف على التدخين فحسب بل يتعداه إلى ما هو أمرّ وأشرّ، فما يحدث من بعض فتياتنا العربيات المسلمات اللائي تأثرن بمثل ذلك البرنامج وغيره لهو أمر يخجل الواحد منا ذكره أو الحديث عنه. ثم إن الأمر لا ينتهي عند ما نشاهده الآن فالقادم أدهى وأقسى حيث أن الأعين الزائغة لا تكتفي بما ترى من تعرٍ فهي دائماً تطلب المزيد، وإن لم تقم تلك القنوات بتلبية مطلبها ذهبت إلى غيرها لتبحث عن مقصدها ومبتغاها. ومن هذا المنطلق فتلك القنوات سوف تقوم بمواكبة الحدث وتلبية رغبات المشاهدين خصوصاً أولئك القابعين في الاستراحات والمقاهي ويتنقلون بين محطة وأخرى متسمرين أمام تلك المشاهد الفاضحة متناسين أن رعاياهم من مراهقين ومراهقات يشاهدون ويتابعون نفس المشاهد -إلا من رحم ربك- ولسان حالهم يقول إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص. وإني والله لأخشى أن يأتي ذلك اليوم الذي يستمرئ الجميع ما يبث ولا ينكرونه والواقع وتسلسل الأحداث ينذران بذلك فالذوق العام لم يعد كما كان. وختاماً لي رجاء وطلب من اخواني وأخواتي أبناء هذه الأمة الخيرة المصطفاة والمفضلة على سائر الأمم أن يحاربوا تلك القنوات ويقاطعوها فلا يمنحوها المجال لإفساد شبابنا وإلهاء شيوخنا وسرقة جيوبنا في نفس الوقت وإن كانت الأخيرة أقلها وأخفها ضرراً. ثم لا أنسى حكومتنا العربية المسلمة الرشيدة التي يقع عليها العبء والمسؤولية الأكبر في إيقاف أولئك المفسدين عند حدهم، فكما حاربت ومازالت تحارب الإرهاب والفقر والجريمة بشتى أنواعها ووقف من خلفها المجتمع بأسره نرجو منها أن تحارب ما هو أشد وأخطر من تلك جميعاً وتوقف دعاة الانحطاط الفكري والأخلاقي قبل أن يفسدوا مجتمعنا العربي المسلم بأسره.
|