يتحقق النمو الاقتصادي العالمي عادة على مزيد من الناس يستهلكون المزيد من السلع والمنتجات، وإذا أخذنا العالم ككيان واحد نرى أن النمو لابد له ان يستمر بشكل أو بآخر، حتى ولو كان هناك فارق عظيم بين نموه في بقاع العالم الغني ونموه في العالم الفقير.
إحصائيات هيئة الأمم المتحدة توضح أن سكان العالم الغني يعيشون عمراً أطول وينجبون أولاداً أقل، كتبعات أفرزها العصر الصناعي فيها.
ونستخلص أولاً ان استمرار انخفاض معدلات الانجاب الحالية في الشمال الغني سوف يقود طبيعياً إلى تناقص واضح في إعداد عملاء ومستهلكي الغد للمنتجات التي يقوم عليها الاقتصاد الغربي بشكل رئيسي.
وثانياً فان الأعمار الطويلة لسكانه تعني ان النمو المستقبلي سوف يقابل عملاء اقل مالاً وانفاقاً وأصعب ارضاءً واقبالاً على الشراء. ويتوقع ان السلع الصناعية الغربية سوف تفتقد العميل والمستهلك الذي عهدته في النصف الثاني من القرن المنصرم وستبحث بالتالي عن مستهلكين جدد أكثر طلبا. على الجانب الآخر نلاحظ أن سكان العالم الجنوبي سوف يتضاعفون عدداً، وسوف يتزايدون فقراً (على فقرهم) حتى يصلوا لحال لا يمكنهم معه شراء أرخص ما انتجته مصانع الدول الغنية من سلع وماديات، ويبدو ان افضل ما تم استدراكه لهذا التناقض الحاد بين العالمين ما قامت به الشركات العالمية في بداية القرن الماضي من انتشار جغرافي ارتبط موقعياً حيثما وجدت العمالة الرخيصة وحيثما انتجت السلع بأقل تكلفة ممكنة لتصريف المكدس وللابقاء على النمو. وقد تبنت بعض منها استراتيجيات استثمارية تعتمد على خلق مزيد من الطلب على السلع لأولئك الذين لديهم المال والاستعداد لشراء منتجاتهم في العالم، الأمر الذي يبدو فيه ان النمو الاقتصادي العالمي مستمر في الحدوث، حتى ولو لم نشعر به، ان لم يكن يصعب التعرف عليه، وهناك الكثير من التغيرات الصغيرة التي تجري متتابعة متلاحقة لا يلحظها رجال الأعمال هنا أو هناك إلا متأخراً أو عندما يتأثروا بها سلباً او ايجاباً. ونظراً لصعوبة متابعة النمو يحن بعض الناس للماضي الذي دائما ما يصفونه بالاستقرار مقارنة باليوم، وبصفة التدرج البطيء في النمو وتغيرات جذرية متتالية تمثلت في دورات اقتصادية لها صفات تقنية بداية من صناعة الصلب ونهاية بالالكترونيات.
والعالم الذي نعيش فيه كبير، ودائماً يسفر وباستمرار عن مفاجآت، وما نشهده اليوم من ارتباط العالم وتقاربه تجارياً وثقافياً عن طريق شبكات الاتصالات والمعلومات، ما يجعل الاستهلاك يأخذ نمطاً متقارباً وان كانت هناك فروق متعددة بين بشر الشمال وبشر الجنوب.
فالأسواق مليئة بالمنتجات ويكفي ملاحظة التنوع الكبير لمختلف الصناعات من غذائية والكترونية او غيرها لتأكيد ذلك.
وكلما اقترب العالم تجارياً وفكرياً تعددت سلعه وتجزأت أسواقه وتنبهت الشركات الانتاجية إلى ذلك أينما وجدت مكانياً، وبالتالي تتهيأ لإنتاج سلع بتشكيلة وتنوع في كل شيء لمقابلة احتياجات مجموعات كبيرة من المستهلكين الجدد.
|