* صنعاء - الجزيرة - عبدالمنعم الجابري:
تعتزم الحكومة اليمنية تطبيق حزمة جديدة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي من المقرر أن تشمل جوانب مختلفة خلال الفترة القليلة القادمة.
وتتضمن حزمة الإصلاحات الجديدة التي انتهت حكومة عبدالقادر باجمال من وضع الترتيبات اللازمة لتطبيقها سلسلة من الخطوات والاجراءات التي تقول مصادر حكومية إنها ستشمل الجهاز الإداري للدولة من خلال إجراء إصلاحات هيكلية واسعة في مختلف مؤسسات الخدمة المدنية بما في ذلك إعادة توزيع القوى الوظيفية والاجور وخفض عدد الموظفين العاملين في المؤسسات العامة في مقابل تحسين الأوضاع المعيشية من خلال زيادة المرتبات هذا إلى جانب إصلاحات سعرية وجمركية وإصلاحات أخرى مختلفة سيتم اتخاذها.
ووفقاً لمصادر مطلعة فإن الاصلاحات السعرية التي تعتزم الحكومة اليمنية تطبيقها في إطار حزمة الاصلاحات الجديدة تتضمن رفع اسعار بعض السلع وبالذات المشتقات النفطية التي يتوقع ان تتراوح نسبة الزيادة فيها من 20-30%، حيث سيتم في مقابل هذه الخطوة إلغاء الرسوم الجمركية على السيارات والمركبات التي يتم استيرادها من الخارج.
ويأتي ذلك بعد أن كان مجلس الشورى اليمني قد اقر في توصيات احيلت في وقت سابق الى مجلس الوزراء خفض تعريفة الرسوم الجمركية على السيارات التي تدخل اليمن بحيث تكون نسبة رسوم الجمارك موازية لتلك المعمول بها في دول مجلس التعاون الخليجي.
وحصرت التوصيات هذا التخفيض بالنسبة لرسوم الجمارك فقط السيارات الجديدة التي سيسمح بدخولها الى البلاد، اما السيارات والمعدات القديمة بما في ذلك قطع الغيار فسيتم حظر دخولها بشكل كامل.
وكما يصف عبدالقادر باجمال رئيس مجلس الوزراء اليمني فإن الاصلاحات التي تعتزم حكومته تطبيقها تتمثل بنظام جديد يسمى نظام الحزمة الاقتصادية المتكاملة المتضمنة زيادة المرتبات ورفع قاعدة الحد الادنى للاجور وذلك لمعالجة الانعكاسات السلبية التي يتعرض لها محدودو الدخل في اليمن جراء الارتفاع العالمي للاسعار، هذا الى جانب تحديد اسقف جديدة للرسوم الجمركية بحد ادنى يقترب من المنطقة الجمركية بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي.
ويقول عبدالقادر باجمال إنه سيتم في إطار هذه الحزمة اتخاذ سلسلة من الاجراءات التي ستكون متوازنة ولها ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والادارية ولن تكون على حساب فئة اجتماعية دون اخرى ولكنها تؤكد على تحقيق العدالة الاجتماعية الكاملة لكل الفئات.. مشيراً الى انه سيتم التركيز على اصلاح مالي رئيسي في مجال اعادة الهيكلة وادخال تعديلات رئيسية في الضرائب والجمارك والاستثمار والغاء اية استثناءات سواء في المعاملات الجمركية او الضريبية او الاجرائية.. منوهاً بأن هذه الاجراءات تستهدف مواجهة الانكماش وتنشيط وسائل الانتعاش الاقتصادي واطلاق الحريات الاقتصادية.
ويضيف رئيس الوزراء اليمني ان الوظيفة الاقتصادية الجديدة للدولة سوف تتمثل في تحقيق التوازنات الاقتصادية في الكم والاسعار والاجور والمرتبات وكل المدخلات في الاقتصاد الوطني.
وتسعى الحكومة اليمنية الى معالجة ما تعتبره تضخماً وظيفياً في اجهزة الدولة من خلال التخلص من العمالة الفائضة بتقليص عدد الموظفين المقدر حالياً بنحو 430 الف شخص الى ما يقرب من النصف في غضون السنوات القليلة القادمة حيث سيتم احالة البعض الى التقاعد وبالذات من بلغوا السن القانونية، والبعض الآخر ممن تعتبرهم الحكومة عمالة فائضة سيحالون الى صندوق الخدمة المدنية الذي تم انشاؤه بالتعاون مع البنك الدولي وقد تقرر فعلاً إحالة سبعة آلاف موظف إلى هذا الصندوق خلال فبراير الجاري كدفعة ،وهناك دفعة ثانية ستحال خلال الاشهر المقبلة من هذا العام تضم خمسة آلاف موظف.
وكانت الخطة التي وضعتها الحكومة في هذا الشأن قد تضمنت إحالة نحو 100 الف موظف الى التقاعد على مدى الفترة الممتدة بين عامي (2000- 2005م) وكذا احالة مثل هذا العدد تقريباً الى صندوق الخدمة المدنية.
وفي خطوة تهدف الى التقليل من الآثار والانعكاسات المترتبة على عملية الاصلاحات السعرية التي سيتم تطبيقها عدت الحكومة اليمنية مشروع استراتيجية وطنية للمرتبات والاجور تقول مصادر رسمية انها تهدف الى رفع الحد الادنى للاجور وبما من شأنه تحسين الاوضاع المعيشية للعاملين في مختلف مؤسسات الجهاز الاداري للدولة.
مشيرة الى ان هذه الاستراتيجية التي سيتم مناقشتها واقرارها من قبل مجلس الوزراء قبل احالتها الى مجلس النواب للموافقة عليها تتضمن اعادة النظر في سياسات المرتبات والاجور بشكل علمي يراعي المتغيرات في الاسعار وفقاً لدراسات تم انجازها خلال السنوات الماضية.
موضحة أن الاستراتيجية تشمل توصيفاً دقيقاً للوظائف والمهن ومتطلبات كل منها لتحقيق العدالة الوظيفية بين اصحاب المهن المختلفة.
في غضون ذلك اكدت المصادر ان ابرز التحديات التي تواجه الحكومة اليمنية في الفترة القادمة تتمثل في كيفية الوفاء بالتزاماتها تجاه اهداف التنمية حيث تبلغ الفجوة التمويلية التي تحتاجها اليمن حتى عام 2015 اكثر من 50 مليار دولار وان مقدار الموارد اللازمة للوفاء باحتياجات التنمية فيبلغ (38) مليار دولار.
مضيفة أن اليمن بحاجة لدعم يصل الى (2.3) مليار دولار لتغطية مشاريع وبرامج استراتيجية التخفيف من الفقر حتى نهاية عام 2005م.
وحسب المصادر فإن اليمن لم تحصل حتى الآن سوى على 520 مليون دولار منها (380) مليون دولار كقروض (140) مليون كمنح ومساعدات من اجمالي الدعم الذي التزم به المانحون في اجتماع عقدوه في باريس في اكتوبر 2002م والمقدر بنحو (2.3) مليار دولار.
وحيث يصل حجم الديون الخارجية على اليمن الى قرابة 5.5 مليارات دولار حالياً فقد خصصت هيئة التنمية الدولية ثلاثة قروض للعام الجاري 2004م لتنمية المجتمعات وللمرحلة الثالثة من مشروع الصندوق الاجتماعي لتنمية وتوسيع التعليم الاساسي ولذلك بقيمة تبلغ 110 ملايين دولار.
كما يتضمن برنامج تمويل البنك الدولي لعام 2005م تقديم 72 مليون دولار كقروض ستخصص للتعليم الثانوي للاناث والطرقات الريفية والتدريب المهني وتحديث الخدمة المدنية.
هذا وقررت المانيا الاتحادية تقديم مساعدات لليمن خلال عامي 2004-2005م بقيمة 70 مليون يورو تقريباً أما الولايات المتحدة الامريكية فقد وعدت بتقديم 30 مليون دولار كمساعدات سنوية في حين وعدت اليابان برصد 22 مليون دولار.
الى ذلك تقدر الاحصائيات نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في اليمن بما يقرب من 42% ومعدل البطالة بنحو 30% وتتضمن استراتيجية التخفيف من الفقر التي بدأت الحكومة تنفيذها عام 2002م وتستمر حتى نهاية 2005م ثلاثة اتجاهات رئيسية تتمثل بخلق فرص لتوليد الدخل من خلال النمو الاقتصادي وتوسيع الفرص الاقتصادية للشرائح الفقيرة، وكذا تعزيز قدرات الفقراء وزيادة العائد على اصولهم بالاضافة الى الحد من معاناتهم واستمرار تعرضهم للفقر.
وكما جاء في مشروع الاستراتيجية فإن 19% من الأسر اليمنية تعيش تحت خط فقر الغذاء (الفقر المدقع) حسب احصائيات عام 1998م، اما البطالة فتقدر بنحو 25%، في حين وصلت هذه النسبة للاسر التي تعيش تحت خط الفقر (الفئة الاخرى) التي تحصل على نفقات الغذاء ولا تحصل على نفقات الملبس والمسكن الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات الى 33% وذلك على اعتبار ان متوسط حجم الاسرة في اليمن يتراوح بين 6-8 اشخاص.
وإذا ما قورنت نسبة الفقر مع عدد السكان المقدر بنحو عشرين مليون نسمة حاليا سنجد ان هناك ما يقرب من 3.7 ملايين مواطن يعانون من عدم تأمين الغذاء 6.4 ملايين نسمة تقريباً يعانون من عدم تأمين الخدمات الأساسية، اما معدل الامية فيصل الى 72% في صفوف الاناث و 44% في صفوف الذكور.
ومن ابرز عوامل الفقر بحسب مصادر الحكومة معدل النمو السكاني المرتفع حيث يصل معدل الخصوبة الكلي الى 6.5 مواليد لكل امرأة وهو يعادل ضعفي المعدل العالمي.. هذا الى جانب محدودية الأراضي الزراعية وندرة المياه وضعف البنية التحتية حيث يحصل 35% فقط من السكان على خدمات الكهرباء و 4% هم الذين يحصلون على مياه صالحة للشرب اما الخدمات الصحية فيحصل عليها نحو 50%.
ولعل ما تجدر الاشارة اليه في هذا السياق هو ان الفقر في اليمن يأخذ طابعاً ريفياً، حيث يحتضن الريف اليمني الذي يقطنه ثلاثة ارباع السكان حوالي 83% من الفقراء في اليمن و 87% من الذين يعانون من الفقر المدقع (فقر الغذاء) وترتفع نسبة الفقر الى 45% بين سكان الريف مقابل 30.8% بين سكان الحضر.
وكما يتوزع الفقر في اليمن بصورة غير متساوية بين الريف والحضر، فإنه يتفاوت كذلك من محافظة الى اخرى، حيث يتركز حوالي نصف الفقراء في اربع محافظات هي تعز وفيها 18.7% من اجمالي الفقراء في اليمن، إب (16.2%)، ثم محافظة صنعاء (11.9%) ومحافظة الحديدة (10.2%).
|