لا أدري ما الذي جعلنا في العالم الإسلامي عامة، وفي المملكة خاصة نجد أنفسنا في زاوية ضيقة حرجة، نحاول جهدنا الدفاع عن النفس ودرء الأخطار والتهديدات بما ملكت أيدينا من تشبث بالأوطان وبما يعمر قلوبنا من صفاء تجاه الناس كافة، وبما تقدر عليه عقولنا من التشبث بشعرة معاوية - ولو كان ذلك عن ضعف مادي- لأننا نملك قوة إيمانية خالصة لا يملكها غيرنا في كافة عناوين هذه الأرض.
التهم جاهزة، ومفصلة على مقاييسنا كلُ في وطنه، وفي الأيدي هراوات يلوحون بها لنا من بعيد، يقصدون إخافتنا تارة، ويهدفون إلى زعزعة ثقتنا تارة أخرى. آخر التهم التي تقال لنا بلا عد ولا عدد المناهج الدراسية والتي يرون فيها مصدراً للإرهاب، ومادة للسواد في القلوب.
أنا من الذين لا يشكون لحظة واحدة في أن مناهجنا الدراسية في الحاجة إلى تطوير أو تحديث، وأن مدرسينا في حاجة إلى انتفاضة على أنفسهم،
وأن نظرتنا إلى التعليم يجب أن تكون أكثرعمقا وشفافية,ولكنني وكثيرين معي نرفض أن يملى علينا ما الذي نعلمه لأبنائنا في المدارس. مثلنا مثل غيرنا في هذا العالم كله، لكنني أكرر وقوفي إلى جانب تحديث هذه المناهج لتصبح منسقة مع العصر الذي نعيش.
لا توجد دولة راضية كل الرضى عن مناهجها، حتى أمريكا نفسها مملوءة بالمفكرين والرجال المسؤولين الذين يتهكمون على مناهجها الدراسية، ويعزون هذا الجهل الاجتماعي والإنساني لديهم إلى ضعف بل سوء تلك المناهج.
وليس ما يحدث في أوربا وآسيا بأقل من ذلك شأنا. لكننا لم نسمع عن أحد بعث بقوائم أو مذكرات معدلة لمناهج تلك الدول ليشاركوها في البحث عن المناهج المناسبة لها.
يخطىء من يظن أن المناهج الدراسية، أو بضع آيات قرأنية كريمة، أو أحاديث نبوية شريفة، جاءت كلها لتنقي النفوس البشرية، يمكن أن تكون سبباً في خلق أيد مجرمة، أو ملء قلوب بنبض أسود يتحول في لحظة يأس إلى متفجرات عمياء تحصدالأخضر واليابس حيثما تحل، وأينما تذهب..
ويخطيء هؤلاء إن ظنوا- كما يرون - أن تلك الأيدي والقلوب تشكل غالبية في مجتمعنا وهم يعرفون تماماً أن المسلمين عامة، بل أنهم أكثر من ذلك، من أكثر الناس تطلعاً إلى حياة مليئة بالقلوب النظيفة، يسودها الأمن والحق والعدل والمساواة.
والغريب أن من يكيلون لنا التهم الواهية، لم يبحثوا في أنفسهم عن الأسباب الحقيقية لهذه الموجات المتلاحقة من الإرهاب العالمي، ولم يحدّثوا أنفسهم - في لحظة صدق مع الذات عن السبب الذي من أجله يختزل البعض حياة الآخرين في تصريح إعلامي أو زاوية صحفية أو حزام ناسف، أو رصاصة رعناء، وهم يدركون تماماً أن المساهم الأكبر في هذا الواقع الغريب الجديد على البشرية هو بتلك الأيدي التي لا تعترف بميزان ذي كفتين، وتصر على أن كل الموازين يجب أن تكون بكفة واحده فقط.
هكذا يسقط العدل، ليقف الحقد، ويتراجع الحق ليتقدم الباطل، وسيبقى الأمر على غلو، ويزداد غلواً على غلو، ويزداد أعداؤنا لنا تهماً باطلة وحقة، الحقة نعلمها جيداً، أما الباطلة فهي تلك التي في نفس يعقوب وتاليتها؟
|