لأني لم أسافر خارج المملكة منذ أن انتهي من تصويره، لم أشاهد فيلم سيد الخواتم في جزئه الأخير. فأنا لا أحب أن أشاهد الأفلام الروائية المتعوب عليها على أفلام فيديو،90% من قيمتها تذهب بسبب الشاشة. على كل حال لا أعرف هل تم توزيعه على شكل فيديو أم لا. يعد هذا الفيلم واحداً من الأفلام التي حققت أكبر الإيرادات في تاريخ السينما الأمريكية. بلغت إيرادات جزأيه الأولين ستة مليارات دولار أمريكي. ويقترب هذا الجزء من المليار. لا أظن أن إيرادات موريتانيا أو اليمن تصل إلى هذا الرقم.
لماذا تصل إيرادات السينما إلى هذا الحد. فن السينما يختلف عن التلفزيون. فالسينما ليست مجرد تسلية عابرة. لو تدقق ستلاحظ اثناء متابعتك لفيلم على التلفزيون أنك لا توليه جل انتباهك. تتفرج وأنت تأكل أو تتحدث أو تتمشى ويمكن أن تروح وتجيء , تفتح الباب أو تحول إلى قناة أخرى في فترات برودته وتسأل جليسك ها وش صار للمجرم. في النهاية تكون قضيت وقتا ممتعا دون كلفة الانتباه الكامل. وهو لا يختلف عن قراءة رواية من روايات عبير أو قراءة جريدة يومية. وهذا ما يجعل الذين ينتجون أفلام التلفزيون لا يوظفون أموالاً طائلة. ولا يحتاجون إلى روايات مميزة. يضعون الزمن المحدد ثم يحشونه بالقصة وببعض المشاهد المسلية وبتمطيطات متنوعة. في معظمه لا يعتمد على الصورة. بل الموسيقا والحوار. الفيلم التلفزيوني أقرب إلى التمثيلية الإذاعية. إذا أغلقت الصوت لن تفهم شيئاً وإذا ألغيت الصورة وتابعته بالصوت فقد تصل إلى تسعين في المائة من حكايته. فهو إذا ليس عملا بصريا بالمعنى الدقيق كما أنه ليس عملا فنيا وإنما هو عمل تجاري يهدف إلى إمتاع الناس اثناء استرخائهم مثله مثل الأغاني الخفيفة أو المشروبات الغازية أو المجلات الأسبوعية.
أما السينما فهي عمل فني متكامل لأن مشاهدته تتم وفقا لإعداد وتخطيط. والمثول في صالة السينما يفرض على المشاهد التفرغ التام، كما أن حجم الشاشة والظلام الحالك لا تسمح للمشاهد الخروج عن الموضوع. على المشاهد أن يلقي بانتباهه الكامل لما يدور فيها أو أن يخلد للنوم. فليس هناك فرصة لتقليب (الريموت كنترول).
تعد السينما أفضل تعبير عن الخيال الإنساني بعد الرواية. ولكي تبقى على الوجود وتستمر في اجتذاب روادها من الجادين والعائلات المحترمة تنحى دائما نحو الفن وليس مجرد المتعة وهذا يتطلب مصاريف هائلة.
في طفولتي شاهدت عدداً كبيراً من الأفلام المصرية في النوادي الرياضية بالرياض. ولكن أول فيلم شاهدته على أصوله في صالة سينما اعدت خصيصاً للعرض السينمائي في البحرين بعنوان منذ مليون عام بطولة راكيل ولش. كدت أجن من فرط المتعة والدهشة. ابتلعتني الشاشة العملاقة والعمل الإبداعي الخلاق. اضطررت أن أشاهد الفيلم ثلاث مرات حتى أتحقق من أن هذا الذي يجري أمامي ليس حلماً. بعدها أحببت السينما وازداد حبي لها لأنها تؤمّن لمريديها أعمالاً فنية خالية من الابتذال والمجون. مكرسة للعائلة المحتشمة التي تريد المتعة دون التعرض للمشاهد المخلة.
فاكس 4702164
|