لقد بذلت الدولة كل شيء ليخرج الحج بالصورة التي يريدها المسلمون في جميع أرجاء العالم، ولكن بعض المسلمين لا يريدون للحج أن يظهر بصورة جميلة، تحقق الغرض من أداء هذه الشعيرة، فالعديد من الحجاج القادمين من آسيا وافريقيا والدول العربية، وكذلك الحجاج القادمون من الداخل سواء كانوا مواطنين أو مقيمين، هؤلاء مازالوا يرفعون شعار (إحرامك والجبل)! وهذا الشعار كان يطبق قديماً، حيث كان الحاج يذهب إلى الحج حالما تطرأ له الفكرة، ولا يحتاج ليتم حجته أكثر من الإحرام وكيس الملابس، فالنوم والأكل والشرب في أي مكان، وهؤلاء لا يحتاجون إلى صاحب مؤسسة أو صاحب حملة، وإن كانت الحملات موجودة في ذلك الوقت، لكن لا يجأ إليها إلا من أراد التوسيع على نفسه أو كان حاصلاً على نيابة، ومع ذلك اليسر فإن الحاج لم يكن ليسلم في كل عام من بعض المشاكل، حتى ان العديد من الدول كانت ترسل من يقف على أمور حجاجها ومعالجة ما قد يعترضهم من مشكلات، وقد جاء إلى الحجاز قبل أكثر من مائة عام ضابط من الاستخبارات القيصرية الروسية لتقصي أحوال الحجاج القادمين من روسيا، نتيجة ما لوحظ من النقص الواضح بين من يخرج للحج ومن يعودون إلى بلادهم بعد انتهاء الشعيرة، ومع ان الأسباب كانت واضحة فلم تخرج عن تفشي الأمراض، ورغبة الحجاج في الاستقرار في الحجاز، إلا ان الاهتمام بالإنسان كان عالياً في سابق العصر، للحد الذي توفدمن أجله البعثات الخاصة للدراسة والفحص وتقديم التقارير، وقد نشر هذا الضابط رحلته الاستطلاعية في كتاب ترجم إلى اللغة العربية!
ما الذي يستعدينا الآن، للعودة للحديث السنوي عن موسم الحج، هل هو حادث الجمرات المؤسف، أم تفشي الافتراش حول جسر الجمرات، أم فئة (إحرامك والجبل) أم فئة الداخلين إلى مكة بالملابس العادية، وهناك يكفرون عن تجاوزهم دخول مكة دون إحرام بكبش لا تتعدى قيمته 300 ريال، وبعد ذلك يقومون بأداء الفرض مجاناً، فالنوم بجانب الجبال وخيام الحجاج والأكل ميسر ومجاناً في كل مكان، وهكذا يكون أفراد هذه العين عالة على الناس والبلد، إنهم ببساطة يرضون الله بأذية خلقه، فأي حجاج هؤلاء؟ وهناك فئة أخرى تنتظر للحج يوم النفرة وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، حيث تبدأ الباصات والسيارات المليئة براغبي الحج في الذهاب إلى مكة من كل مكان في المملكة، وجل هؤلاء سبق لهم الحج مرات ومرات، ولكي لا يقعوا في المحظور باتوا ينتظرون هذا اليوم الذي ترتخي فيه قبضة رجال الأمن، حتى قيل ان هناك أكثر من (300) ألف من حجاج الداخل أدوا الفريضة أو دخلوا أو قبض عليهم لمحاولتهم تكرار الحج، أو التخلف في مكة بغرض أداء الحج بعد أن كانوا قادمين للعمرة فقط!
وهناك العديد من الحجاج لديهم حيلة معروفة للخروج من النظام الذي لا يجيز لهم الحج إلا مرة واحدة كل خمس سنوات، هؤلاء الناس يعمدون في كل عام إلى أخذ الزوجة أو البنت ليكون الواحد منهم مرافقا وحاجاً وهكذا لن ينقطع حجه السنوي، حتى وان ضيق على غيره من الحجاج أو خالف نظاماً من المفروض اتباعه من قبل كافة المواطنين وغير المواطنين!
أما العلة الكبرى فهي الشركات التي تعتبر الحاج غنيمة فتكسب من ورائه المال، دون أن تقدم له شيئا، فقد يصل الحاج إلى مكة، ولكنه لا يجد الشركات في رحلة العودة، ولا يجدها في المشاعر، ولا يجدها في أي مكان، بعد أن أخذت حقوقها كاملة وتركته في العراء، وبعد ذلك، ماذا بيد المسؤولين عن الحج، فهم إذا تستروا على المخالفين أو غضوا الطرف عنهم استمر المخالفون في نفس الأخطاء عاما بعد عام، بل ان كل المجهودات التي تشرع الدولة في العمل عليها طوال العام تضيع عندما يتعثر حاج، ليسقط فوقه عشرات الحجاج، وكأن من مهام الدولة أن تضع خفيراً وملقنا ومرشداً، على رأس كل حاج، جاء من بلاده أو بلادنا، وبظنه ان الحج اما ان يكون نزهة أو معركة أو طريقا للنهب والسرقة والشحاذة.. إن ما حدث لا يشوه صفحة بلادنا البيضاء، بقدر ما يشوه هؤلاء الذين سمحوا لحجاجهم بالقدوم إلينا، دون أن يخضعوهم لدراسات مكثفة في طريقة أداء الحج..
فاكس: 4533173 |