(1)
** صغاراً كنا حين ترددْنا على (الجامع الكبير) (بعنيزة) لحضور حلقة لتحفيظ (القرآن الكريم).. وفيها من (يقرأ) ومن (يستمع).. ويتزاحم (الأطفال) معبرين عن رغبتهم في القراءة.. ويردُّ (معلمهُم) -وهم في سطح الجامع- كلمته المنغّمة المأثورة:
* القارئ كالحالب.. والمستمع كالشارب..!
** قرر شيخهُم (محمد العثمان القاضي) -حفظه الله- لمنْ يحفظ (جزءاً) خمسة ريالات ولعلها كانت -في الثمانينيات الهجرية مغرية -.. لكن (الطفل) - وهو بعد في السابعة- لم يأنس في نفسه (صبراً).. فاكتفى بحضورٍ عابر.. وعتْه (ذاكرتُه) إذ يستعيدُ المشهد (العفوي) البعيد عن (الإلزام) أو (الالتزام) والمخصّص لدراسة (كتاب الله) دون تجاوز ذلك إلى (أدلجةٍ) ذهنيةٍ ذات أبعادٍ مختلفة..!
(2)
** في أنشطة (المدارس) لم يعهد جيلُنا كثيراً من التنوع.. (فحكمةُ اليوم) على مدخل المدرسة، و(الصحفُ الحائطيةُ) على جدرانها.. و(الإذاعةُ) في فسحها.. و(المسرحُ) في خاتمةِ عامها.. دون أن يصحب ذلك (توجيه) بتركيز على (معانٍ) أو توجيهاتٍ محددة..!
** وفي (الرّحلات) كانت (التعليمات) الوحيدة هي إحضار (الملعقة) و(الفنجان) و(الصحن الصغير) من كُلّ طالب بوصفها ممتلكاته الخاصة يأتي بها ويستعيدها حتى توفِّر المدرسة - فيما يبدو- عناء (التجهيزات)..!
**لم نسمع (محاضرات).. ولم نتلقّ (نصائح).. ولم نُطالب بواجبات.. فكانت الرحلةُ تبتدئ بالمرح.. وتختتم به.. وتقام الصلاة في موعدها.. ونعود إلى أهلنا مع غروب الشمس..!
(3)
** انتقْلنا إلى (المعهد العلمي) -في المرحلتين المتوسطة والثانوية-.. ولم يتبدل شيء.. سوى إلغاء (الرياضة) التي لم يأسفْ صاحبكم عليها لقلّةِ حيلته فيها.. وكان شيخُنا الراحل محمد العثيمين -غفر الله له- أحدَ من أشرفوا علينا في (الإذاعة المعهدية).. وكنا نختار مواد الإذاعة كما نشاء.. ولا يذكر (صاحبكم) أنه اعترض على شيء منها.. وربما أبدى إعجابه ببعضها كما قصة الزوجين اللذين لم يختلفا طيلة أربعين عاماً إلا مرة واحدة وكان الزوج مخطئاً اختارها صاحبكم من كتاب (تراثي).. وعلق الشيخ -رحمه الله- متعجِّباً منها إن كانت صحيحة..!
** بلغ الحماس ببعضنا أن ظنّ نفسه في (إذاعة لندن) فخاطب (زملاءه) ممهداً لفقرته:(سيداتي /آنساتي /سادتي...)
**وما زاد المشرف على الإذاعة حينها أن ابتسم، وغرقنا في (ضحكٍ) لا يزال صداه يتردد رغم مرور (عقود)..!
**وفي رحلات (المعهد) إلى مناطق المملكة مثل: (المدينة /مكة/الطائف / الشرقية..) لم نزد على أداء العمرة والتجول في المعالم ( بما فيها غار حراء والبقيع ومسجد القبلتين وسبعة المساجد والحديبية)، وربما أضافوا -بعد صلاة الفجر- قراءةً (مختصرة) من أحد كتب (التفسير)، ويتسلل بعضنا إلى (فراشه) دون أن (يعاتَب) أو (يعاقَب)..!
(4)
** في (الصيف) كان لنا موعد سنوي متجدد مع (المركز)التابع لوزارة (المعارف) ذي (الخمسين يوماً)، وفيه انطلاقٌ أكبر مما نشهده في المعهد.. إذْ ينضوي (الشباب) في (أُسرٍ) تمارس أنشطة فنية / وثقافية /
ورياضية.. ويقدمون (بحوثاً) علمية ذات مستوى يفوق ما يقوم به طلاب الجامعة اليوم..!
**كانت (البحوث) عن (شخصياتٍ) تاريخية مهمة.. ومنها -كما يذكر صاحبكم وقد شارك فيها (جميعها ) وسعد بجائزتها (الأولى) طيلة اشتراكه فيها: بحوث عن صلاح الدين الأيوبي/ ابن تيمية / أحمد بن حنبل / محمد بن عبد الوهاب.. رحمهم الله..!
**كنا نبحث في (المكتبات).. ونحضِّر في (منازلنا).. ثم نأتي لكتابة البحث أمام (لجنة اختبار) حتى لا يكتب أحدٌ لأحد ولئلاّ يفوز من لا يستحق بما لا يحق..!
**في (الإذاعة) كانت السماعات تغطي فضاء مدينتنا الصغيرة.. ونذيع أقوال الصحف و(الأخبار) والأناشيد المموسقة (الوطنية) و(القومية)، ويسمعها (الناس) دون أن ينكروا صوت المغني أو نغمات الموسيقى، ومرةً حضر أحد (المشايخ) المعروفين لإلقاء (محاضرة) وعاتب مديرَ المركز على وجود (الأغاني) فرد المدير بأنها خاصة بالوطن والأمة ومن أجل الشباب وليس فيها إسفاف أو ابتذال.. وانتهى الحوار السريع بودٍ ومحبة وتفهم..!
**وفي الرحلات الخارجية لم نعرفْ (إملاءات) أو (اشتراطات).. سكنّا في (القطيف) ولم يشرْ (معلمونا) إلى (المذهبيّة)، وشاهدنا (تلفزيونات الخليج) ولم (نُحذَّر) من (أغانيها) (وأفلامِها) (العاطفية).. وحضرنا عروضاً (سينمائية) في (أبحر جدة) ولم يندبوا الأخلاق (الإسلامية)..!
**في كل ذلك لم نتخلف عن (فرض)، ولم يتوان أكثرنا عن (نفل)، وخرجنا (أسوياء) دون إفراطٍ يدعو إلى (الغلو).. أو (تفريط) يقود إلى (التحلل)..!
(5)
** خلط كثيرون في أثناء نقاش تطوير التعليم بين (المنهج) و(المقرََر)، وظنوا -وبعضه إثم- أن مشكلة التطرف جاءتْ من (المناهج)، وقصدوا بعض (المقررات)، مع أن المناهج تشملها والمعلمَ والوسيلةَ والنشاطَ والمعملَ، وقد سبق لصاحبكم أن تحدث عن (المقررات) و(التغييرات) التي طرأت على بعضها (حذفاً) بدواعي (الحَيْدة)، و(إضافة) بهدف (التعمّق).. مما لا يجد له الباحث الموضوعي تبريراً.. ولكن هذا أمرٌ آخر انتهى من نقاشه فلا يعود إليه..!
**ولعل المشكلة التي تحتاجُ إلى شيء من الاهتمام هي الأنشطة (المنهجية) (غير الصفية).. ولاحظوا أنها جزء من (المنهج) -كما توصف- لكنها تزاول خارج الصف،.. وهي تتماثل في (غاياتها) مع ما ألفناه في مدارسنا ومعاهدنا ومراكزنا، ولكن تنفيذها اختلف ومنفذيها تبدلوا وأصبحت (مؤدلجة) ذات (قضية).. يُدفعُ فيها (الشباب) إلى (تفكير) خاص، وتمارس عليهم (وصايةٌ) مرسومة، ولا يبرأ معظمها من اختلال أهدافها لتكوين جماعات ذات توجه (أحادي) يربطها بأدلجاتٍ طارئة..!
(6)
** في زمننا كان المدُّ (الناصريُّ) لم يعرف (الجَزْر) بعد.. ومثلَه علا صوتُ (القوميين)
و(البعثيين) و(التحريريين) و(الإخوان المسلمين).. وعرفنا مصطلحات (الرجعيين) و(التقدميين)، ومع ذلك فلم يسعَ معلمونا -ومنهم من كان يتعاطف مع بعضها- إلى زجِّنا في خلافاتها.. أو دفعنا للانتماء إليها..!
** وربما كان جيلُنا هو أقل
الأجيال التي قُدِّر لها ألا ترتبط (بحزبية) أو (حزبيين) فقد وظف النشاط في هدفه، ولم يسخر لخدمة أهدافٍ خاصة.. أو يتستر خلف أسماء حركية.. أو يُعرًض (الأطفالُ) و(الصبيةُ) فيه إلى سلوكيات غير سوية مما يَعْرِفَ بعضَه من ألقى السمع لما يدور في
(المعسكرات) و(الاستراحات) و(المخيمات)..!
**ولا شك أن تردد كثير من الآباء في إلحاق أبنائهم بهذه الأنشطة المنهجية غير الصفية عائدٌ إلى ما وعوه من خطورة
التأثير المباشر على عقول الصغار..!
(7)
** هنا جانب من مشكلة (المنهج) أبعد من حصرها في (مقررات) لن يستطيعَ (منصفٌ) عزوَ (الإرهاب) و(التطرف) بل وحتى (الغلوِّ) إليها..!
**(المقرًر أداةٌ طيِّعة) يستطيع (المعلم) (تحويرها) و(تدويرها)، ليجيء النشاط (المنهجيُّ) الخارجيّ محملاً بالنوايا (الطيبة) وضدّها، وبالتوجيه السليم ونقيضه، وبتصفية (المشاعر) وتأليبها، وغرس القيم وتغييرها..!
* (الأنفاق) وسائط (الاختراق)..!
E:Mail:
|