إزاء هذا الموضوع فكرت مليا واحترت كثيراً فيما سأكتب عنه ولكن القلم انتفض بقوة وانطلق بسرعة ليحكي تلك المآسي التي ترفل بقيودها فتاة حائل العانسة. وإذا كانت العانسة في أي مكان تزيد ببضع سنوات عن الوقت المناسب لزواجها فإن فتاة حائل العانسة تبقى من غير زوج حتى تذبل زهرة شبابها وتظهر على خديها تجاعيد الكبر وأحياناً تحاكي السنوات الأخيرة من عمرها ثم يوافيها الأجل وهي لم تتزوج.
أبعد هذا ظلم يا آباء؟؟ هل هناك أشد وطأة من حرمان بناتكم نعمة الزواج.. لا أعتقد أنه بقي حرام أكثر من هذا الحرام، واعلموا أنكم ترتكبون الاثم في كل يوم وكل لحظة تمر بفتياتكم المعذبات، لا تحرموهن حقا لهن كما هي الحال بالنسبة لنا معشر الرجال. أم أنكم تجهلون أو بالأصح تتجاهلون ذلك الشعور الغريزي الذي غالبا ما ينهزم المرء أمام مقاومته. ولابد بكل صراحة وعزم ان نقف عنده ونميط اللثام عن حواجبه ونوضح ما أمكن توضيحه عن تلك الخطورة التي تترتب عليه.
ان الفتاة بعد بلوغها- وأقول الفتاة فقط لأنها هي المعنية هنا ستبقى في صراع مستمر ومرير تكابد آلاماً تفرضها عليها غريزة الجنس وهو أمر يدركه الجميع ولقوة تأثير هذه الغريزة فلابد ان تلبي الفتاة نداءها بشكل أو آخر وبنسبة تتفاوت من واحدة إلى أخرى حسب ما تتمتع به الفتاة من مثبطات للشهوة كالإرادة القوية والوازع الديني والشرف.. الخ. والفتاة كما يقال وجه لرجالها ومرآة نرى من خلالها ولكن للفريق يظهر بجلاء حين تكون الرؤية واضحة لا غبار عليها أو غامضة يشوبها الغبار وعندئذ تعض إصبع الندم بعد فوات النفع بالندم لا سمح الله. يجب ان نحافظ على المرآة ونسلمها لصاحبها نظيفة خالية من كل كسر.. والزواج في الوقت المناسب خير ما يضمن لنا السلامة، وإلا كانت المرآة عرضة لما نحن نتحاشاه، ونقف ضده بأنفسنا وأرواحنا وكل ما نملك.. وإذا كنا كذلك حقا فإننا نخالف مبدأنا وعقيدتنا. غريب وعجيب أن نحبذ الفضيلة ونبذل في سبيل تحقيقها النفيس والرخيص ثم نأتي في طريق آخر فتشوه هذه التضحيات من حيث ندري أو لا ندري.. تضارب واضح ولكن لماذا؟؟ ليس غير الجشع وشروط معه تبين صاحبها بأنه تافه ان لم نقل شرير يتمطى المشاكل والتعقيد. وإليك ياعزيزي القارئ شيخة من حائل لعقد نكاح فتاة من هناك.. وانقلها لك لأنني كنت بالقرب منها وقتها واعتبر ما سأسرده عليك بالسعر المحدود والشكل المرسوم لا مفاوضة فيه ولا مراعاة.
1- (النقد) عشرة آلاف ريال.
2- (الجهاز) بعد عمليات حسابية استعملت فيها كافة الصيغ توصلوا إلى التكاليف تربو بقليل على خمسة آلاف ريال والحاجيات قد سجلت ببيان يحمله الأب كوثيقة غير قابلة للتعديل.
3- البنت طينة من حائل ولا يمكن حملها.
4- كلام بنتنا مطاع وفوق كل كلام ولو يأتيها نقطة من بصاق جاء الفاعل نقطة من دم.
وهناك أشياء أخرى تؤلم النفس وتوجع القلب لا يتسع المجال لحشدها ولكن ثمة قول لابد من ايراده وهو ما غلف به والد الفتاة مجمل أقواله (هذه الشروط لك ولغيرك جاز لك وإلا بأمان الله).. عندما لاحظ على خطيب ابنته علامات التضجر من ثقل الحمل، وكان الشاب قد حاول الغاء الشرط الثالث إذ إنه لا ينسجم مع ظرفه وحاول أيضا تخفيف الشرط الأول، لكن هيهات، وعلى غير اتفاق انفض المجلس وتأتي خيبة الأمل هذه على الفتاة المنكوبة خيبة بعد خيبات كثار.. لقد أسهدها السهر وأضناها القلق واستبدت بها الحيرة قلقا على مصيرها الأسود الذي لاح لها في فلك القدر، وهي تواجه بين الآونة والثانية مثل هذه الخيبة، ولا أمل في تبديل حالها إلا من عند الله، لكن عمرها أشرف على الثلاثين أو يزيد.
فهل جربتم يا آباء أن تتصوروا بناتكم على ضوء ما عرضته وهو قليل من كثير يمر بهن.. هل أدركتم وأقلعتم عن خطيئتكم الكبرى، إنهن بناتكم فلذات أكبادكم لا تعذبوهن فتعذبون أمام الله الذي لا يظلم ولا يغفل وهو على كل شيء قدير. وما علموكم الناس إلا كرماء، فكونوا بهذه المسألة كرماء أيضاً.
|