في ضوء مقال سهم الدعجاني حول شبابنا التائه بين الرشاقة والكمال الجزيرة عدد 11442 حقاً تمتلئ نفسك بدوائر الأسى والتعجب وتستحوذ أمواج الألم على خاطرك المكلوم.. تحت ظلال دهشة الموقف المحموم بسباق الرشاقة.. وبركض الأناقة..
نعم.. شبابنا معبأ بثقافة الجسد.. مشحون بتفاصيلها الدقيقة.. ملم بتعاليمها العميقة.. وهذا الأمر ينسحب على الجنسين!! أجل في زمن العزوف عن (ثقافة العقل) وهجر الكتب والانعزال عن الثقافة الأصلية.. أصبح الشباب والفتيات منهمكين في رصد مستجدات الأناقة والبحث عن مفاتيح الرشاقة.. من خلال ملاحقة الدعايات.. ومتابعة الإعلانات.. واقتناص لحظات البوح الفضائي الساخن الذي ربما قدم إليهم وصفة جديدة.. أو خبرة مفيدة.. تدور في فلك ثقافة الجسد!!
آه منك يا زمن حينما يذوب فكر الجيل بين هضاب الفن والطرب.. وتتبعثر مفردات الثقافة الحقة فوق رصيف التهميش!! لقد كثرت محلات العناية بالجسم.. والانغماس في رتوش الأناقة..
بعض الشباب منهمك في رسم خريطة أنيقة لشكله بدءاً من طريقة شعره ومروراً بأسلوب ملابسه الممسوخة وانتهاء بانتقاء خاتم مميز.. على شاكلة بعض مقدمي البرامج التلفزيونية الذين يستعرضون انامل تضج بالخواتم!!
ومن الفتيات من تجدها تلهث في ركض مستمر خلف الموديلات.. تجري وراء الماركات.. تعبئ الوقت بضجيج الموضة.. وصخب الأناقة.. تفتح بوابة العبور.. بحثاً عن الأصباغ والعطور.. نعم هناك نماذج من النساء تكتب تفاصيل المكياج.. سعياً وراء أجمل إخراج.. آه من ثقافة الخداج.. فتيات يقتلن الوقت.. يذرعن الدروب.. بأيديهن حقائب.. ركضاً وراء سراب الموضة.. وبريق الأناقة وما يتبع ذلك من نشرات وكتيبات وكتلوجات كلها تدور في فلك الأناقة.. وإن أنس فلا أنسى صور الريجيم وأنماط الرشاقة التي تتطلب جهداً فكرياً مضاعفاً.. حقاً جيل تائه بين تضاريس الشكل.. غارق في بحيرة الوهم.. جيل يتهافت على القشور مهملا الجوهر.. دائرا على محور المظهر.. يزحف فوق مرآة الزيف..
قادم أنا أحمل تساؤلات الموقف الجائر.. قادم أنا أقتات خيوط الألم.. وعلى خاطري غلالة من الشجن.. من جور هذا الزمن.. واختلال معاييره.. واضطراب قيمه.. ليس عيباً أن نهتم بمظهرنا ولكن بحدود واعتدال ودون أن نعطل ثقافة العقل أو نحرم الفكر من غذائه الحقيقي.. لقد اغتالت خيوط الأناقة حتى مشاعرنا التي خدرها صخب العصر.. سرقت أحاسيسنا الخرساء التي جمدها صقيع الزمن المثقل بضجيج الأناقة.. نعم في خضم ثقافة الاستهلاك الشرائي المحموم نسينا عواطفنا المكلومة بنمط معيشي زائف.. يركز على الشكل ويهتم (بالاتكيت).. ويتوغل في أعماق الموضة.. بحثاً عن الإثارة والإبهار.. وسعياً وراء التميز.. فمتى نبحث عن (عقل مميز) و(فكر واع) و(شخصية راقية)؟ متى يكون العقل هو هدفنا سمواً ونضجاً ورقياً.. هلا منحتم (أفكاركم) شيئاً من اهتمامكم وأعطيتموه بعضاً من خطوات الركض.. في زمن باتت الثقافة بضاعة مهدرة.. عذراً معشر القوم.. فقد أسرجت أحرفي تحت ظلال الضجيج.. وحزمت حقائب بوحي.. وضمدت جرحي..
محمد بن عبد العزيز الموسى
/بريدة |