Tuesday 10th February,200411457العددالثلاثاء 19 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رحيل الشيخ إبراهيم الحديثي بين عظيم المصاب وحسن العزاء رحيل الشيخ إبراهيم الحديثي بين عظيم المصاب وحسن العزاء
عبداللطيف الحديثي



شهر مضى من لهيب الحزن والأسفِ
تبكي العبارة من ياء الى ألفِ
شهر مضى أقبل الحجاج وانصرفوا
وشيخنا غاب ما صلى ولم يطفِ
تسائلنا العرصات والأفواج ما برحت
تسائل بمن إمام الزهد والشظفِ
أين الذي تشرق الدنيا بطلعته
ما باله في عرفات الله لم يقفِ
أين المهابة والإجلال أين غدا
نبعاً من العلم سلسالا لمرتشفِ
تبكي قلوب التقى عنوان بهجتها
وحامل العلم والأفضال والشرفِ
حلمٌ وصدقٌ وإخلاصٌ ومنزلةٌ
في البر والعدل مأمون من الرجفِ
اختاره الواحد الخلاق في زمن
تعيش منه البرايا في شفا جرفِ
رحماك ربي بشيخ شاب مفرقه
ما بين وصوم وقرآن ومعتكَفِ
ماذا يجلي بياني من روائعه

لو صغته.. في مئات الكتب والصحفِ
ترددت كثيراً في الكتابة عن والدي - رحمه الله - لا لشيء إلا خوفاً من أن أحمّل قلمي العاجز عبئاً أكبر من حجمه، وأعظم من قدره. فأي قلم يجرؤ على اختزال مائة عام في طاعة الله لرجل تحلى بجلال العلم، وقوة العقيدة، وصدق اليقين، وعظم التقوى، وسمو المنهج، وعلو الهمة، واخلاص النية، ونبل الغاية والمقصد.
فمثلي وأنا أحاول إظهار محاسن والدي - رحمه الله - كمثل إنسان وقف على ضفاف نهر جار غمر عذب فشرب وملأ مزودته بالماء، ثم عاد لأهله العطشى. فهل نقص من ذلك النهر شيء!! فكذلك كان والدي - رحمه الله - نهراً غمراً عذباً متدفقاً.. لأكثر من مائة عام أوقف خلالها عمره على الطاعة، وقلبه على الإيمان، وجوارحه على العبادة، ولسانه على الذكر.. ومنذ أن وعت طفولتي وأنا أسمع منه شهادة التوحيد في جميع أوقاته.. لا إله إلا الله.. محمد رسول الله.. كلما دخل أو خرج وكلما قام أو جلس، في المجالس والطرقات.. سمعتها منه بعدد شعر رأسي، بصوته المرتفع الموقن الذي يتردد صداه في قلوبنا جميعاً.. ولقد رأيته - حتى وقد جاوز المائة من عمره - يغدو كل جمعة قبيل صلاة الفجر وبقي في مصلاه معتكفاً حتى يفرغ من صلاة الجمعة.. لا إله إلا الله.. مائة عام دون فتور أو ضعف أو كلل أو ملل.. مائة عام من الإيمان واليقين والصبر والاجتهاد والمجالدة.. نعم مات الشيخ.. وهدأت تلك الجوارح التي طالما تعبت لله وفي الله، ونامت تلك العيون التي طالما سهرت باكية متهجة لله، وصمتت تلكما الشفتان اللتان ما فتئتا تجلجان بذكر الله وحمده كل حين، وسكن ذلك الجسد الضعيف الذي كنا نشفق عليه في آخر حياته من مشقة الحج والعمرة والصلاة في المسجد.. فوالله لقد كان أحرص منا على الطاعة والعبادة برغم ثقل السنين ومعاناة المرض.. ولا يكاد يفرغ من فريضة حتى ينتظر ما يليها ويسأل جلاسه مراراً عن وقت الصلاة اللاحقة.. فلله درك ذلكم الرباط.. ذلكم الرباط.. رحمك الله يا قاضي القضاة.. فلقد كان المصاب أليماً والفقد عظيماً.. فقدك أهلك وأبناؤك، فقدك تلاميذك ومحبوك، فقدك بيتك ومصلاك، فقدك مسجدك ومحرابك، فقدتك حلق الذكر ومجالس القرآن، فقدتك دروسك المباركة، فقدك الضعفاء والمساكين، فقدك أهل الخير والبر، فقدك أهل العلم والقضاء، فقدك مجتمعك ووطنك.


وكنت أبا للمكرمات فمن لها
وقد بت عنا اليوم ثاوياً قبر
سيفقدك العلم الذي أنت نوره
ويفقدك القول المسدد والفكر
ويفقدك الخير العميم نشرته
ويفقدك الدرس المبارك والذكر
ويفقدك العبّاد في صلواتهم
ويفقدك النساك والزهد والطهر
ويفقدك المستعضفون جميعهم
ويفقدك المضطر ما مسه ضر
ويذكرك الإحسان والعدل والقضاء
وتذكرك الجلى إذا حزب الأمر
ولكن أمر الله في الناس بالغ
فلله منا الحمد والصبر والشكر

أحسن الله عزاءنا جميعاً وآجرنا الله وإياكم في مصيبتنا وخلف علينا بخير .لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.. اللهم اغفر للشيخ إبراهيم الحديثي واجزه عنا خير الجزاء فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لنا في الله حق النصح، اللهم ارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين، اللهم اجزه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم انقله من ضيق الدنيا الى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وافسح له في قبره ونور له فيه، اللهم اغفر ذنبه وأعل درجته وآنس وحشته وآمن روعته اللهم اجعله ممن يأخذ كتابه باليمين اللهم أنزله منازل الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم شفّع فيه نبيك وحبيبك ومصطفاك صلى الله عليه وآله وسلم.. آمين.. آمين.. آمين


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved