Tuesday 10th February,200411457العددالثلاثاء 19 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إستراتيجية معالجة الفقر.. رؤية موضوعية إستراتيجية معالجة الفقر.. رؤية موضوعية
د. عبدالإله ساعاتي

شكلت الزيارة التفقدية التاريخية التي قام بها سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لمنازل بعض الأسر المعوزة في بعض الأحياء الفقيرة في مدينة الرياض في منتصف رمضان من عام 1423هـ، شكلت منعطفاً تاريخياً في مسيرة العمل المنظم لمواجهة ظاهرة الفقر.. حيث وجه سموه بوضع وتنفيذ إستراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفقر وإنشاء صندوق وطني خيري لمعالجة الفقر.
ولاريب أن وضع إستراتيجية علمية لمعالجة الفقر يمثل انطلاقة منهجية لمواجهة هذه المشكلة، فالإستراتيجية تعد أولى الخطوات العلمية المدروسة في مواجهة هذه الظاهرة بالغة التعقيد.
فرغم الجهود التكافلية القائمة في البلاد قبيل التوجيه بوضع الإستراتيجية مثل الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية، إلا أن التصور المنهجي الشمولي غاب عن الساحة طوال الفترة الماضية.
ولعلَّ من حسن الطالع أن يترأس فريق الإستراتيجية معالي الدكتور علي النملة بما يتمتع به من فكر واعٍ مستنير وحسٍّ اجتماعي مثمر-بعيداً عن الحقيبة الوزارية- إلى جانب أعضاء الفريق الممثلين لوزارات الداخلية والمالية والاقتصاد والتخطيط والجامعات والقطاع الأهلي.
ولقد انطلق فريق الإستراتيجية في وضع تصور منهجي لمعالجة الفقر شمل التالي:
- بناء قاعدة معلومات عن الفقر والفقراء وتبويبها وتصنيفها وتحليلها.
- تحديد مفهوم الفقر في المملكة من جوانبه وصوره المختلفة من خلال الوقوف على التحديات المعاصرة شاملة الوضع الاقتصادي، الموارد البشرية، القطاع الأهلي.
- تحديد خطوط الفقر التي تمثل الحدود الفاصلة بين الفقير وغيره.
- تحديد مدى انتشار الفقر ونسبة انتشاره، ووضع خارطة جغرافية للفقر في البلاد.
- التعرف على ملامح الفقر وتحديد خصائص الفقراء.
- تحديد أسباب الفقر والعوامل المؤثرة في حدوثه (الاجتماعية، الاقتصادية، التعليمية، الصحية، السكنية).
- تحديد سبل معالجة الفقر على المدى القصير والطويل والمتطلبات اللازمة لذلك.
- دور الخطط الخمسية في معالجة الفقر.
** فالإستراتيجية بذلك تستهدف خلق الأرضية الراسخة لمواجهة جادة ومنهجية لهذه الظاهرة المعضلة بالغة التعقيد، التي يئن العالم من تداعياتها وتضعها المنظمات والهيئات الدولية في مقدمة أولوياتها، ذلك أن الإستراتيجية تشكل التأطير التنظيمي والرؤية الشمولية وبناء الأساسات اللازمة لمواجهة مثمرة، وذلك في منأى عن الحلول الوقتية التي تعنى بالأعراض دون الأسباب، وبعيداً عن الحلول العاطفية الآنية، فالتشخيص الدقيق يقود دوماً إلى العلاج الدقيق.
** إن عملاً بهذا الحجم الذي يتم لأول مرة في البلاد -والذي يشعرنا بأننا تأخرنا كثيراً في البدء فيه - لابد وأن يستغرق وقتاً ويستنفد جهداً ويستلزم دعماً.
ولكن حاجة العباد تتطلب الإسراع في التطبيق وفي قطف الثمار، وهو التحدي الذي يواجهه القائمون على الإستراتيجية وعلى الصندوق، وهم يبذلون جهوداً جبارة في اجتماعات متواصلة ومكثفة، جعلها الله سبحانه وتعالى في موازين حسناتهم، فالكثير من الناس لا يعرفون ذلك.
وفريق الإستراتيجية يدرك أن إعداد إستراتيجية وطنية لمعالجة الفقر لابد وأن يشمل مزيداً من التركيز على آليات التنفيذ.
ذلك أن الانتقال من ردة الفعل إلى صنع الفعل هو الأمل المنتظر.. فالمأمول إستراتيجية واضحة المعالم مشتملة على سياسات عامة متكاملة وخطط تنفيذية متواءمة مع (إيكولوجية) المجتمع السعودي، ومبنية على حقائق ومعلومات وفهم كامل للمسببات وتحليل واقعي للمؤثرات، متضمنة خططاً قصيرة وطويلة الأجل لمعالجة الفقر، محددة لأدوار الأجهزة الحكومية والأهلية المختلفة.
إن من المسلم به أن ظاهرة الفقر مشكلة معقدة بل هي بالغة التعقيد متعددة الأوجه والأسباب، لها ارتباطاتها بأبعاد اقتصادية واجتماعية وصحية وثقافية وتعليمية، ولذلك فإن إستراتيجيات معالجة الفقر لا يمكن فصلها عن خطط التنمية، بل إن مكافحة الفقر تأتي في مقدمة أهداف الخطط التنموية في الكثير من دول العالم، وهو ما تؤكد عليه المنظمات الدولية.
إنني أدعو وأرجو أن يكون هدف معالجة ومكافحة الفقر ضمن الأهداف الرئيسية لخططنا التنموية الخمسية منصوصاً عليه بكل تحديد ووضوح، ولنبدأ من الخطة الخمسية الثامنة القادمة.
ولِمَ لا، فلقد تم الاعتراف بوجود المشكلة شأننا في ذلك شأن سائر دول العالم، فالظاهرة أزلية عالمية ارتبطت بالوجود الإنساني منذ بداياته الأولى، وما زالت قائمة في جميع دول العالم غنيها وفقيرها، ونحن جزء من هذا العالم لسنا في كوكب آخر، ولسنا مجتمعاً ملائكيَّاً مختلفاً ومنعزلاً عن باقي البشر.
وجزى الله سمو ولي العهد خير الجزاء، ذلك أن الاعتراف بوجود المشكلة يمثل نصف الطريق إلى حلها -بإذن الله تعالى-.
إن ما نأمله في تصميم الإستراتيجية ألاَّ نستغرق في التنظير، فليس مهماً في ظروفنا أن نبحث في أنواع الفقر، هل هو فقر مدقع أم مطلق أم نسبي..؟، علينا أن نحدد الفقر بكل بساطة المفهوم دون الخوض في إشكالية التعريفات وتحميله في ذلك أكثر مما يحتمل.
ومع التسلم بأن اجتثاث الفقر مطلب ينأى عن الواقعية، يظل المأمول هو الحد من انتشاره والعمل على مد يد العون لإخواننا المعوزين.. داعياً المولى عزَّ وجل أن يكلل بالتوفيق الجهود الخيرة لتحقيق ذلك.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved