في هذه الأيام العاصفة وفي خضم الجو الدولي المشحون والمتوتر ومن خلال الفوضى العالمية التي يشهدها العالم والتي لم يسبق لها مثيل في تاريخه، وفي تاريخ البشرية يدور جدل طويل عربي وإسلامي ودولي حول مبدأ السيادة والوصاية الدولية المفروضة من الغير، ونقصد بالطبع الدول العظمى وعلى رأسها أمريكا قائدة هذا العالم والمهيمنة عليه وعلى شعوب ودول العالم.. وما يهمنا نحن كعرب ومسلمين هو منطقتنا وعالمنا العربي والإسلامي.. فهل نحن كمجتمعات عربية وإسلامية بحاجة إلى وصاية علينا، وأن نتلقى التعليمات والإرشادات والنصائح المعلبة من الغير ومن الخارج، وأن نستمد حضارتنا العريقة وتراثنا وثقافتنا من الخارج، أليس لدينا عقول وأدمغة وطاقات ومفكرون ومنتجون؟.
أليس عالمنا العربي والإسلامي يزخر بمثل هذه الطاقات والعقول والمفكرين والسياسيين والاستراتيجيين في كافة الحقول والميادين؟.. ألم تساهم تلك العقول والأدمغة وبشكل فعال في إثراء الحضارة الغربية والعالمية وتقدمها ورقيها؟ والأهم من ذلك هو أننا نستند إلى حضارة عربية وعمق ثقافي وفكري على مر العصور.. والأهم من ذلك أيضا أن لدينا ديننا الإسلامي الخالد والقرآن هو دستورنا ونبراسنا. إن الإسلام هو المعيار الحقيقي ولسنا بحاجة إلى أن نلتفت يمينا وشمالا ونبحث عن فكرة من هنا وهناك.. هذا بالطبع مع الأخذ في الاعتبار مبدأ التبادل الحضاري والفكري، ولكن ليس بالشكل الذي يرسمه ويخططه لنا الغير وأن يفرض الوصاية علينا وأن نكون تابعين له.
لماذا كل هذا الجدل الذي يدور دائما في الحوارات المختلفة والمتعددة فضائيا وصحفيا بأن يكون الغرب والغير هو المعيار والكيل الذي نزن به؟!.
وعلى ضوئه نحدد إن كنا قد أصبنا وأصبحنا في الطريق الصحيح، وان كان الغير راضيا عنا.. وأصبحنا نفتش هنا وهناك ونحاول جاهدين بأن نستورد الديمقراطية من الغرب تماما كما نستورد البضائع منه ومن غيره. ونستورد الأفكار، ألا يكفي أننا أمة مستهلكة وغير منتجة صناعيا وتقنيا في مجالات عديدة؟.. هل أصبحنا مشلولين فكريا وعقيمين وعاجزين إلى حد أن نستورد أفكارنا من الغير؟.. ثم إن هناك تساؤلا وربما تساؤلات عديدة ومنها هو: هل الغير المفروض علينا ينسجم في عاداته وتقاليده وقيمه مع عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا الدينية؟.. هل مجتمعاتهم مشابهة لمجتمعاتنا وطبيعة تركيبتها وخصوصيتها؟ هل الإباحية مثل الاحتشام أم الحجاب كالسفور أم الوقار كالفجور أم أن الانحلال مثل الانضباط والاعوجاج كالاستقامة؟؟؟ تساؤلات عديدة تطرح نفسها، ولا ندري كيف يمكن التمازج بينها.. وإذا كان الأخوة في البيت الواحد يختلفون في طبيعة أفكارهم وسلوكهم ويبحث كل منهم عن الاستقلالية والخصوصية. فكيف بالغريب القادم من الخارج؟!. إن الحل الشافي والوافي لكل هذه الإشكالات والخروج من دوامة هذه العواصف والأمواج المتلاطمة والهائجة هو كما قلنا في ديننا الحنيف والكتاب والسنة، وهو السبيل إلى الخروج من هذه الدوامة العاتية والرياح العاصفة.
وكما قال الله عز وجل: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (139) سورة آل عمران صدق الله العظيم..
وهنا نلحظ في هذه الآية الكريمة وهذا التوجيه والإرشاد الرباني أن الله عز وجل ينهانا عن الهوان أو أن نذل ونستكين. وفي الوقت ذاته وصفنا عز وجل بأننا الأعلون إن آمنا. وعلينا أن نتأمل ونتدبر في هذه الآية الكريمة وهذا الوصف الرباني، وكما قال عز وجل مخطبا نبيه موسى عليه السلام عندما أراد أعداؤه المفسدون الطغاة أن يكيدوه: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى} (68) سورة طه، وقال عز وجل في سورة آل عمران: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ} (146) سورة آل عمران، لم يهن الأنبياء ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابهم وأتباعهم ولم يستكينوا إلى الغير أو يركنوا إليه أو يضعفوا أمامه. وهنا نجد أن لدينا رصيدا تاريخيا حافلا لأشخاص جاهدوا في الله حق جهاده وسطروا بجهادهم هذا وأرواحهم ودمائهم وتضحياتهم أجمل وأروع البطولات، كما سطروا التاريخ بصفحات من قبس ونور، أفلا نتهدي بهم ونتخذهم قدوة؟..
لماذا كل هذا التخبط والبحث عن حلول من الغير ومن الخارج وهي موجودة لدينا؟ ولدينا قرآننا دستور الدساتير الذي لم يترك كبيرة ولا صغير إلا أحصاها.. وها هو الغرب والشرق يثبت نظريات ومعلومات علمية تحدث عنها القرآن قبل أربعة عشر قرنا، المخزون لدينا، فلماذا نبحث عن حلول ورصيد من الخارج؟!!.
|