جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: أنه قال: (من أصبح معافى في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنَّما حيزت له الدنيا)، وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فالعافية في البدن، والأمن في المجتمع، والرخاء في المعيشة، هي من أعظم النعم التي يمكن أن يحصلها الإنسان في حياته الدنيوية، وهي المقاصد الأولية لقيام المجتمعات البشرية قاطبة. هذا ما يؤكده العالم أبراهام ماسلو، أحد رواد المدرسة السلوكية في الإدارة، حين صنَّف الحاجات البشرية هرميّاً في نظريته الشهيرة، فجعل الحاجات الطبيعية الفيسيولوجية قاعدة لذلك الهرم، ثم نلحظ بعدها أن الحاجة إلى الأمن والحماية قد جاءت في المرتبة الثانية لتعكس بالتأكيد رغبة الإنسان المُلِحَّة في الحماية من الأخطار والشعور بالاستقرار والأمان المستمر من أي عارض أو طارىء، باعتبار أنَّ البيئة الآمنة والمستقرة هي البيئة المثلى للإبداع والعطاء والتقدم.
وهذا هو واقع المجتمع في المملكة العربية السعودية الذي قام ابتداء على أساس من المنهج الإسلامي الأصيل، الذي منح أماناً تاماً للمجتمع وكان نبراساً لمسيرته التنموية الوثابة. إنَّ هذه البيئة الآمنة المستقرة هي مضرب مثل لدى الشعوب والأمم، فالمملكة - ولله الحمد - هي الأرض الخصبة للنمو والتقدم، لكنَّنا - وللأسف البالغ - نشهد اليوم هجمة حاقدة على ذلك المنهج الأصيل، وقد تولى كبرها أناس من بني جلدتنا ادَّعوا زوراً أنَّهم حماة تعاليم الإسلام، لكن واقع أفعالهم أبعد ما يكون عن تعاليمه السمحة، ومنهاجه القويم المعتدل. لقد علمنا الإسلام أنَّ الزبد يذهب جفاءً، وأنَّ ما ينفع النَّاس يمكث في الأرض، وسنذكر يوماً كما سيذكر أبناؤنا من بعدنا أنَّ أرضنا الطيبة التي تميزت بأدوارها الإيجابية على مر التاريخ حيال الإنسانية في نبلها ووفائها قد تعرضت لهجمة باغية لا تمت إلى الدِّين ولا إلى الحضارة بصلة.
نعم إنني لا أجانب الحقيقة - وقد كنت ممن استلهم حقائق الأمور تربية وسلوكاً في مجتمع يرسخ العقيدة الإسلامية سبيلاً لرشاده - إنْ قلت إنه قد تفطر قلبي حزناً وألماً لما جرى ويجري من تدمير متعمد، لما جهدت في بنائه أجيال مؤمنة متلاحقة من صرح لم يدرك الفاعلون خطر النيل منه، فهؤلاء وهم يفعلون فعلتهم المشينة لم يلتفتوا إلى تاريخ المملكة الديني والحضاري ولم يدركوا أنَّهم يعملون معاول الهدم في العقيدة والقيَّم التي قامت عليها.
ونحن هنا في المملكة سنقف بوجه هذا الانحراف والغلو منطلقين في ذلك من واقع حصانة مجتمعنا الإسلامي الواعي لمستقبله، وعلى أولئك الموتورين مراعاة هذه الحصانة التي لن تنال منها فئة بغت وغدرت، وطمعت وتمنت أماني كاذبة، ولهؤلاء نقول: يا ناطح الجبل أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل.
|