Tuesday 10th February,200411457العددالثلاثاء 19 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تحية مع الذبح لخروف العيد تحية مع الذبح لخروف العيد
أنور عبدالمجيد الجبرتي

* انتهى زمن عظيم من أزمنة الذبح الحلال، وتلاشت المذبوحات في الأنحاء، وفي البطون وتشربت الأرضُ الدماء المسفوكة، حقاً وشرعاً وتقوى وتقرباً إلى الله، وذهب الذابحون إلى شؤونهم، دون بغي أو اعتداء أو انتهاك للحقوق والحرمات.
* فسبحان الذي جعل ذابحاً وذبيحاً بالحق والعدل والإيمان وسبحانه جل وعلا إذ سخر الأنعام المسفوكة دماؤها وسبحان الرحيم الذي أمرنا إذا ذبحنا أن نحسن الذبح فلا ننهك ولا نُزهق ولا نخيف ولا نرعب أو نرهب.
*والحمد لله الذي جعلنا خير الذابحين رحمةً حتى بالأنعام والبهائم, ونعوذ بالله من الذين ذبحوا ظلماً وجوراً وسفكوا الدم الحرام، اعتداء وبغياً واستهانوا بالنفس المسلمة، والمستأمنة المطمئنة وبرروا استباحتها بُغضاً وعُدواناً وأغفلوا ذمة الله ورسوله، وأرادوا أن يوردوا قومهم وأهليهم دار البوار.
* لكنني أعود فأقول بأننا نفرح بخروف العيد كما يُسميه عادة الإخوة العرب، وكنا نفرح به أكثر عندما كنا صغاراً يوم كان خروف العيد نادراً ومكلفاً، وكانت النفوس أكثر براءةً والصدور أعظم رحابة والحب أعمق تمكناً، والآفاق أشد اتساعاً وأبعد ترامياً.
* لا أحب امتداد الألفة بين أهل المنزل وخروف عيدهم وحكايات الحيوان الكرتونية، عن الخرفان التي تتحدث وتلعب وتذهب إلى المدرسة وتجدل ضفائرها، وتنظف أسنانها حكايات سخيفة ولكنها أيضاً تتجاوز الحواجز الكونية بين الإنسان السيٍّد العادل الرشيد، والحيوان المسخر البهيم المشحون بالبروتينيات الهامة لبقاء النوع الأسمى، وهي أيضاً انتهاك لترتيب المخلوقات وتهيئة كل منها لوظيفته ورتبته في سُلَّم الكائنات وفي دورة الحياة.
* اختلاط الأمور وتشابك العلاقات، وتداخل العواطف والمشاعر بين الإنسان والأنعام سينغص الحياة على كليهما وسيخلق عالماً مقلوباً على رأسه ويكتب مسرحية هزلية نضحك منها إلى حد البكاء.
* تسْتشيط الشمطاء (برجيت باردو) غضباً وتصب شتائمها على المسلمين في فرنسا لأنهم يذبحون أضحياتهم وتنفق (بريجيت باردو) نقوداً كثيرة على حميرها وقرودها وربما تركت لهم، ولغيرهم من البهائم نصيباً محترماً من ثروتها وتصرف بلدتها باريس والمدن المتحضرة الأخرى أموالاً طائلة على تنظيف الأرصفة والشوارع والحدائق العامة من فضلات الكلاب والقطط المدلَّلة بينما يعيش ربع سكان العالم على دولار واحد في اليوم، ويفتك الإيدز والملاريا والسل والفيضانات والمجاعات بعشرات الملايين من البشر، ولم نسمع من السيدة الفاضلة تنهيدة احتجاج واحدة على الفقراء والبائسين والمرضى من بني الإنسان ولم نسمع عن تبرعها بثمن موعد (كوافير) لحمارها الأثير، لكي تطعم جائعاً أو محروماً.
* وكاد الرئيس الأميركي جونسون أن يفقد احترامه الشعبي لأنهم التقطوا له صورة وهو يشد أُذن الكلب الرئاسي بينما كانت القوات الأمريكية تقتل مئات الآلاف من شعوب الهند الصينية.
* ويتظاهر الآلاف أمام مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا مطالبين بإنشاء وحدات علاج مركز حديثة، وغرف عمليات متقدمة لحيوانات التجارب بينما يموت مئات الآلاف في العالم الثالث من سوء التغذية ونقص الأدوية.
* وتسرح الأبقار (المقدسة) في شوارع (بومبي) في الهند فتقتحم المتاجر وتبعثر البضائع وتأكل المعروضات الطازجة بينما يولد الفقراء الهنود على أرصفة المدينة، ويعيشون ويتناسلون ويموتون غارقين في أنهار الصرف الصحي، ولكنهم مستمتعون دون شك بروث الأبقار المقدسة.
* نحن قوم نحب الكائنات الحية جميعها حتى ولو أقدم بعض الضالين من بني قومنا على ذبح أخيهم الإنسان ونحن نؤمن أن (في كل كبدٍ رطبة أجر )ونطمع أن يدخلنا الله الجنة لأننا سقينا كلبا يلهث عطشاً ونرجو أن يغفر الله لنا ذنوبنا إذا حبسنا قطة فلم نطعمها أو نتركها تأكل من خشاش الأرض، وقد قال قائل عادل من حكامنا ذات يوم إنه يخشى أن يحاسبه الله على عنز عثرت بأرض العراق.
* ولكن الإنسان يجب أن يأتي عندنا في المقدمة فلا يعكس الأولويات ولا نلعب (الأوكروبات) بحياة البشر، ولا نهدر العواطف والأموال على الحمير، والقردة وفضلات الحيوانات، بينما نحرم طفلا ًواحداً من حق الحياة الكريمة الواعدة.
* نشكر لخروف العيد رضاءه الكريم المتعبد بمكانته في دورة الحياة ومهام الكائنات ونعتذر له عن سخافات (برجيت باردو) وحلفائها ونؤكد الفرق النوعي بين الخروف والإنسان ونحمد الله على تكريمه لنا بأن خلقنا بشراً ولم يجعلنا خرفاناً.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved