سيل جارف طغى على متحف حلب، وكانت الآلهة المحجرة في الطابق الأرضي، وتصدع المجرى الكبير، فإذا بها تغرق لا بالمطر، وإنما بسيول القذر، ويا لسخرية القدر! لقد كانت هذه الآلة تعبد من دون الله، وتقدم لها القرابين، وهي لا تملك نفعا ولا ضرا، ولا خيرا ولا شرا، ولا تستطيع أن ترد عنها الأذى، فاعجب لسخف البشر!
سألت صديقي ما الخبر؟
أألهة هذه أم حجر!
وما بالها في مهاوي الردى
وقد أصبحت عرضة للخطر
أجاب لقد غرقت كلها
وأخشى عليها عوادي الدهر
وياليتها غرقت بالمياه
ولكنها غرقت بالقذر
وقد لفها الليل في برده
وغشى الكبير حتى اندثر
ولم يدفع الرب عنها الأذى
ولم ينجها عزها المنحسر
وكانت تؤله دون الاله
وها هي أضحوكة للبشر
أتلك التي عبدوها طويلا
تكون نهايتها في الحفر؟
فقال وفي ثغره بسمة
تنم عن الهزء فيه السخر
لكم تعس الناس في حبهم
أيعمى عن الحق أهل البصر؟
أسرح طرفي عبر القرون
وأرنو إليها بعين الفكر
لقد عبدوها زمانا طويلا
كما قدست من قديم العصر
وما زال منهم على دينه
ومنهم ترقى لروث البقر
فهذا يؤله شمسا وذا
ك يؤله من حمقه القمر
ومن صانع ربه في يديه
إذا جاع كان الغذا المنتظر
ومن عابد لعظيم النجوم
ومن ساجد للدمى والشجر
مهازل دلت على سخفهم
يكاد الفؤاد لها ينفطر
ألا أنها للورى عبرة
لمن كان يحسن أن يعتبر
وتلمس سخريته مرة
وتضحك من صرخات القدر
عبادة فرد عبادة مال
عبادة جاه، وبعض الصور
فأف لكم ولما تعبدون
ألا إن ذاك لإحدى الكبر
ألا فاعبدوا ربكم مخلصين
رغم الطغاة أو من كفر
غدا سوف تجزون أعمالكم
فإما نعيم وإما سقر. |
|