* جدة - تحقيق/ علي السهيمي:
في جولتنا هذه دلفنا إلى سوق اليمن الشعبي بجدة أو كما يطلق عليه البعض سوق «اليَمَنَهْ» بفتح الياء والميم والنون وتسكين الهاء.. وكانت جولة لا تُنسى رأينا خلالها العجب العجاب، وقلت في نفسي بعدئذٍ!!! معقولة؟! وتساءلت بكل دهشة واستغراب!!! هل يُعقل أن يكون مثل هذا المكان العشوائي في جدة؟ جدة عروس البحر ودانة المدائن، جدة مهوى السيّاح ببحرها وشواطئها وسواحلها المنظمة والمنسقة والمتزينة، جدة بشعارها الأخّاذ «جدة غير».. وكيف رضيت العروس الممشوقة القوام والرهيفة القدّ والفارهة الزينة، كيف رضيت أو رضي لها أهلها الفخورون بها أن ينبت على قوامها الممشوق ذلك «النتوء» الخبيث؟ وأن يبرز على قدّها الرهيف هذا «الطفح» الجلدي المزري؟ وأن يخدش زينتها ذلك «القُبح» المتمثل في هذا السوق المسمى سوق اليمن أو اليمنة.
والآن تعالوا معنا لندخل سوياً إلى سوق اليمن بجدة، واقرأوا من خلال هذا الاستطلاع ما شاهدناه ولمسناه وكتبناه لكم:
مواقف غير معترف بها!!!
في البداية وعند قدومنا تجاه السوق بالسيارة وقفنا فيما يشبه «الطابور» وأمامنا أرتال من السيارات أولها أمام مدخل السوق وآخرها على بعد ما يقارب الـ500 متر، فنزلت من سيارتي مستطلعاً الأمر ولماذا هذا التوقف والمكوث في طابور طويل ونحن في شارع عام بمسارين يتسعان لمرور سيارتين وتلقيت أول الصدمات الغرائبية إذ وجدت مجموعة كبيرة من السيارات تقف بشكل عشوائي أمام المدخل فهذه سيارة قد أوقفها صاحبها وقوفاً عرضياً وأخرى متوقفة طولياً وثالثة تقف خلفهما بشكل مخالف مخالفة صريحة وواضحة .
وقد ضرب سائقها بجميع أنظمة وقوانين المرور عرض الحائط دون خوف أو حياء أو ضمير، عدت لسيارتي وأنا أفكر في كيفية الخلاص والخروج من هذا المأزق وبعد وقتٍ ليس بالقليل وبعد جهدٍ جهيد تحرّك طابور السيارات واستطعت أن أجد شخصاً أسأله، ألا يوجد مواقف خاصة بسيارات المتسوقين؟ فأشار لي جزاه الله خيراً إلى المواقف والتي لا تبعد عن السوق سوى أمتار قليلة باتجاه الشرق وفعلاً دخلت للمواقف بسيارتي وأنا أتعجب من إصرار بعض المتسوقين على الوقوف بسياراتهم أمام مدخل السوق وإرباك حركة المرور بل قد يتسبب بإصراره الخاطىء في حدوث حوادث سير وتصادم لا تحمد عواقبها.
فلّ وكادي وزفر سمك..
ومن الغرائب التي يراها أو يلمسها الداخل لسوق اليمن ذلك الاختلاط والتمازج غير المتجتانس، ولا متوائم مع بعضه البعض بين عبق أزهار الفلّ والكادي والريحان وغيرها من النباتات العطرية الزكية الرائحة والتي يصفّها بائعوها على طاولات خشبية جنباً إلى جنب مع أنواع شتى من الأسماك والروبيان والتي توضع هي الأخرى على طاولات خشبية في الممرات وتبقى عرضة للفح حرارة الشمس والغبار هكذا في العراء فضلاً عن رائحة زفرها التي تزكم الأنوف مختلطة برائحة مياه الصرف الصحي الطافحة من أماكن عدة محيطة بالسوق، مما يجعل الداخل للتسوق في حيرة من (شمّه) عفواً من أمره فكل تلك الروائح المختلطة لا شك تشكل عائقاً كبيراً أمام حاسة الشمّ وليس أمام من تورط بشمّ تلك الروائح المختلطة إلاّ كمامة واقية وإلا فإنه وبدون جدال سوف يفقد حاسة الشم وللأبد أو يصاب بأحد أمراض الصدر والرئتين ويبقى أسيراً لجرعات الأوكسجين في المستشفيات والمراكز الطبية.
تدني النظافة وسوء التنظيم
في سوق اليمن الشعبي للمأكولات والأطعمة الشعبية لن تندهش أو تستغرب فبعد عرض النباتات العطرية بجانب أسماك العراء والهواء الطلق ستتلاشى دهشتك وستعرف أن هذا الحال المتردي في هذا السوق هو السائد وأن من فيه من باعة ومتسوقين تعودوا على كل ذلك أو أنهم يعتبرون سوء التنظيم وتدني مستوى النظافة والعشوائية في عرض بضائعهم مميزات تميزهم وسوقهم عن الأسواق الأخرى وذلك من باب مخالفة السائد وخالف تعرف، وستتأكد بعد ان ترى بأم عينيك أصنافا من التمور وقد وضعت في صحون مختلفة الأحجام مكشوفة بدون غطاء ليمرّ عليها جيش الذباب وبعض الجماعات من الحشرات الزاحفة والطائرة وهي تهبط على صحون التمور بكل أمان واطمئنان وتعانق حبات التمر حبة حبة منزلة حمولتها من الأمراض والأوبئة والجراثيم عليها.
وستختفي دهشتك ويصبح الأمر لديك طبيعياً عندما تشاهد حاويات القمامة وقد نضحت بمحتوياتها وناءت بحملها من القاذورات والأوساخ ومن مخلفات الدواجن واللحوم والخضروات والفواكه الفاسدة وقد ألقيت بعضها بجانب تلك الحاويات لتكمل عقد المخالفات والإهمال في تحدٍ صارخ لتعليمات البلدية ومراقبها أو رقيبها والذي أجزم أنه يسجل غياباً كلياً عن ذلك المكان وللحقيقة معه كل الحق في ألا يمرّ من هناك مجرد مرور فالعمر كما يقولون غالٍ جداً والحرص على «الصحة» من أولى الواجبات!!
لقطات من الجولة:
أغلب الأكلات الشعبية التي تباع في سوق اليمن تكون مطبوخة مثل السمك المقلي ولحمة الرأس والخبز الرقيق المتعارف على اسمه «اللحوح».
بعض الباعة ضاقت محلاتهم ببضعائعهم والبعض الآخر ليس لهم محلات فاتفق الجميع على ما يبدو على استخدام الأرصفة وافتراش الممرات دون أي اكتراث بحق الطريق وآدابه.
|