كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تفعيل الديمقراطية وما تحمله من حرية ومساواة واعتدال، وقد تناولها العديد بتفسيرات غربية في الغالب، وشرقيه أحياناً والملاحظ أن الكل تمحور حول مجال بعينه كي يتساير مع ما هو قائم من صراعات، ومع التوجه المذهبي لمجال الديمقراطية السياسية. هؤلاء جميعاً حوّلوا مفهوم الديمقراطية حسبما يكون عليه لتوجههم السياسي.
وهكذا صارت الديمقراطية متباينة المفهوم تبعاً لتباين الأيديولوجيات المذهبية، أما نحن في بلادنا وتحت مظلة من الإيمان بهويتنا ومذهبيتنا نرتضي بالقرآن دستوراً وهو شريعتنا وتشريعنا، ونحن نستمد منه قواعد ومبادئ الشورى ومن منطلق رباني تجلى في القرآن الكريم وفي سنة نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وعن نشأة تطبيق نظام الشورى لدينا فقد أسس له منذ ثمانية وسبعين عاماً بمعرفة الملك عبدالعزيز آل سعود طيّب الله ثراه. ومنذ ذلك الحين مررنا بالتجريب فالتقييم فالتطوير، ومن ثم فالنهوض به في مقابل نظم الحداثة والعصرنة، وما تقوم به الأجهزة المسؤولة عن تقييم التجارب التي اعتمدها وأخذ بها الغير، والوقوف على جدواه، وقياس حجم المنتج عند تطبيقه، هذا في جانب الكم وفي جانب الكيف فيتعلق بدينامية التفاعل بغية تحقيق الاستراتيجيات، حتى يمكن في ضوء ذلك انتقاء الأجدى والأصوب والنافع لنا في دعم نظمنا ومبدأنا في ذلك أن المنتج العلمي إن كان له موطن للنشأة وبمجرد طرحه يصير مشاعاً بين الجميع ويدخل في نطاق مخروط الخبرة المضافة وينطلق من الخصوصية إلى العمومية، ويدخل في نطاق ثقافة الكل الحضاري ويمكن الأخذ عنه بما يتوافق مع ثقافة الشورى، حينئذ نقترب منه ونأخذ عنه بل ونتساير معه بالقدر الذي لا يتعارض مع الأصول والثوابت ومرتكزها الثقافي الديني ومرجعيتنا الأولى فيه كتاب الله وسنة رسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، وأيضا مع مسار تاريخنا المجيد، ومع حضارتنا العريقة، ودعمها بالمنجز القيمي الحضاري.
والجدير بالذكر فان منطقية تفعيل دور مجلس الشورى السعودي تنطلق من مهام تعاونية يشترك فيها الأفراد في حدود إمكاناتهم، ومن خلال سلوك التفاعل وينهض هذا الاشتراك من خلال توجه سياسي معين، ويعمل الأفراد على وضع الأهداف والمهام الخاصة بالعمل، ووضع آلية تنفيذ هذه المهام مع المشاركة في إجراءات وسبل التنفيذ، كل ذلك يراعى فيه إمكانيات الأفراد وقدراتهم، وبما يحقق المستهدف ويشبع الحاجات الأساسية ذات الارتباط بهذا النظام.
ويجدر القول إنه من استراتيجية مجلس الشورى السعودي تضمين برامجه تقديم المشورة والمقترح والتوصية، وهي تمثل مرئيات جماعة المجلس وناتج الحوار والمناقشة لمعظم النظم المحالة إلى المجلس عن طريق أجهزة السلطة والمؤسسات والتنظيمات وأصحاب الرؤى الحصيفة في المجتمع ومنظماته التنفيذية بما يدفع إلى وضع وصياغة الأنظمة «القوانين» والتي تصدر عنه في حدود الصلاحيات والاختصاصات الممنوحة له.
ومن حسن القول ان نظام الشورى السعودي أعم وأشمل من أية نظم برلمانية أخرى من التي تنهض على التحزب ولي الذراع السياسي لصياغة القوانين وإصدار القرارات التي تتفق مع غايات الحزب خاصة الحزب الحاكم لما له من نفوذ سلطوي.
وإذا لم يكن ذلك كذلك فسوف تستشري الغوغائية والمساجلات التي لا طائل من ورائها وأمارات ذلك التسرب من الجلسات، وعدم الانتظام خاصة وأن العديد من هذه المجالس لا يضع نصاباً محدداً لما يتوجب عليه انعقاد الجلسة بينما مجلس الشورى لدينا يشترط لعقد الجلسة ألا يقل النصاب عن ثلثين من (120) عضواً هم أصل أعضاء المجلس حتى يمكن أن تكون المداولة ذات فائدة، وأن عرض الأفكار والرؤى يكون ذا فائدة في صياغة القرارات.
وهكذا يعتبر واحداً من الأسس الاجتماعية الداعمة لنظام الشورى.. ضف الى ذلك تلك الجهود التي يبذلها المجلس لتقريب الرؤى العلمية حول بعض النظم وهي مستمدة من التشريع الإلهي كما هو وارد في كتاب الله عز وجل بهذا الخصوص وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تاكيداً للنص ووضع إمكانات وخطوات التنفيذ، وشرح وتفسير لما ورد من نظم في القرآن الكريم وهو دستورنا المبين واليقين لدينا ان نصوص هذا الدستور لا شك انها ملزمة التنفيذ في حدود ماورد بالنص والذي بموجبه يعمل مجلس الشورى لدينا وإزاء ذلك يصير المجلس ملتزما بما نوهنا اليه سابقاً.. الشرح والتفسير ووضع منهجية الأداء والتنفيذ الذي يوكل بعد ذلك لأجهزة الدولة لاتخاذ إجراءات التنفيذ في حدود ماورد بالنص، وفي ضوء ما تم شرحه وتفسيره عامة، أما إذا طلب تفسيراً فنياً معيناً في قضية ما من القضايا المعروضة على المجلس فانه يحال إلى اللجنة المختصة «11» لجنة لدراسته من كافة الجوانب، وأيضا إذا كان ثمة قضية تحتاج العرض على استشاريين وخبراء فكذلك يتم استدعاؤهم للاستنارة بآرائهم في حدود الاختصاص الأكاديمي والمهاري التطبيقي وبالاستناد إلى الخبرة العملية الناتجة عن التجريب مما يتوجب التعرف على وجهات النظر المفتوحة والقائمة على حرية التعبير المسؤول باعتبارها كذلك أحد الأسس الاجتماعية المعنية، ومسايرتها حسب الأساس القيمي الاجتماعي الذي يستند على النسق الديني والسياسي والأمني، والارتكاز على هذا الأساس يساعد في دعم سلوك التواصل والتفاعل معه بغية التوصل إلى الحقيقة للخروج بقرار يساهم في تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في تحمل أعباء النهوض بالمجتمع، والعمل على تقدمه وتطويره.
هكذا تكون الشورى أهم وأشمل من الواقع الديمقراطي خاصة إذا كان مرتكزها الرئيس المجال السياسي.
ويتم التعريف بهذا الواقع من خلال المؤسسات الإعلامية والدينية والتربوية، والتوجيهية الإرشادية في غير تصلب أو جمود.
وأخيراً لا ننسى أننا نعيش مرحلة العولمة، والبث الفضائي المفتوح، والمقاتلة الصراعية تحت مظلة الحرية والديمقراطية.
|