منذ صدور كتاب الأستاذ الدكتور طارق الحبيب (العلاج النفسي والعلاج بالقرآن) الذي كتبه وفق رؤية طبية نفسية شرعية، وأنا أعزم الكتابة عنه لأمرين: الأمر الأول لأنَّه يتناول موضوعاً حيوياً يرتبط باهتمامات الإنسان على اختلاف مراحله العُمرية، مع تفاوت مستوياته المعرفية والعلمية، وهذا الإنسان يُمارس تضارباً في تقنين الفرق بين المرض النَّفسي الذي يحتاج إلى علاج طبي دواؤه من صنع الإنسان، وبين مرضه الذي يحتاج فيه إلى علاج ربَّاني من القرآن والدعاء...، ولقد تضاربت على هذا الإنسان أساليب وأنماطٌ فكرية وثقافية لم تعنه على هذا التَّفريق من جهة، كما جعلت من جهة أخرى أمر قصور وعيه الديني وعدم تمكُّنه من مصادر مرجعيته الدينية (الكتاب والسنة) سبيلاً له للتخبُّط في خلط أفكاره، ومواقفه، بل أساليب تناوله وتعامله مع (أمراضه) و(أدوائه)...، لذلك جهل الإنسان في كثير أمر أمراضه الباطنة التي تحتاج إلى جهاد، وهو إن لم ينتصر عليها بنفس مؤمنة، قويّة، فإنَّها لا محالة ستصرعه، وحينها يخلط، أو يفصل، أو يتخبَّط بين العلاج الطّبي النّفسي لها، وبين العلاج اللازم لها بالقرآن... وكيف ومتى؟!
أمَّا الأمر الثاني الذي جعلني أفكر في الكتابة عن هذا الكتاب، فهو أنَّني ربَّما أكون من أوَّل الذين خصَّني بإهدائه إليَّ الدكتور الأخ العزيز (طارق الحبيب) الذي له إسهامات بارزة وتفوق واضح في هذا المجال، حتى انَّني لشدَّة حرصي على الإيفاء لهذا الأخ العالم، المتميِّز، تباطأت رغبةً في الكتابة عن مؤلَّفه بما يستحقه، فسبقني إلى ذلك من بسط الكتابة عنه، وبقيت أرغب في ذلك رغبة من يجد في هذا المصَّنف ما يستحق القراءة، وإلى جانب القراءة الإفادة، ممَّا فيه من أساليب العلاج والمعالجة، واتباع خطوطه الدقيقة، التي لم تأتِ من فراغ، أو تجاسر على هذا المجال، بل جاءت من مختصٍّ متمكِّن اعتركته الحرفة، وعمَّقته التجربة، ومنحته الخبرة، ما جعله مرجعاً يُعتدَّ به، في مجال الاختصاص النَّفسي، الشَّرعي. في الوقت الذي تكالبت على الإنسان متغيرات الزمن بما فيها من مثيرات ومؤثّرات، ومعها يحتاج وفيها إلى النهل من المعين الشَّرعي، بما يزوِّده من القوَّة، كي يقف في مواجهة مواطن الضعف فيه، ولعلَّ النَّفس البشرية، مناط الحياة، فإن مرضت، وشقيت، مرضت الحياة وضاقت، وإن شُفيت وعوفيت، سلُمت الحياةُ وبرحت، ولتعدد أساليب التَّعامل مع (النَّفس)، ولكثرة منافذ تناول شؤونها، وأمورها، ولتضارب المفاهيم في شؤونها، وللخلط بين أمراضها وأنواعها، وللبعد عن المعين الشرعي في أمور علاجها وتوجيهها، ودُرْبتها، وقوَّتها، ولانتشار فئاتٍ من (الدَّخيلين) ذوي الأفكار، والمعالجات الاستثنائية، المرفوضة علمياً ودينياً، ومع ضغوط الحياة، وتهاطل متغيّراتها، وحاجة الإنسان فيها إلى التكيُّف الذي يجعلهُ يعيشها في سلام، ويتعايش مع من فيها بسلام، فإنَّ كتاباً مثل هذا هو وثيقةٌ علاجيةٌ، أسأل الله أن يزيد مؤلفه نوراً وتوفيقاً، وأن يحسبه له عملاً صالحاً وينفع به، ولا أحسب أنَّ أحداً يعيش بتفاعلٍ كامل مع الحياة، ومعطياتها وأحداثها، وأوضاعها، ومتغيّراتها، وخبراتها، لا يحتاج لأن يقرؤه، بل لا يحتاج لأن يقتدي به ويهتدي، فهو من المصنَّفات العلمية التي تناسب حاجة الإنسان وتبقى معه فلا زمان له ولا مكان إذ هو لكلِّ الأزمان والأماكن، إلا ما سوف يفتح الله تعالى به على صاحبه ومن هم على نهجه كي يضيفوا بما ينفع الناس.
|