حتى الآن لا أتذكر السبب الذي دفعني إلىأن أعبر شارع الشميسي القديم في إحدى الظهريات الحارقة. كان عمري حينها لا يتجاوز الثالثة عشرة. ومن شدة الشمس وحرارتها الجهنمية توقفت لكي أستريح عند باب دكان أحد الحلاقين المشهورين في ذلك الشارع. تميز ذلك الدكان بمظلة واقية من الشمس فانتحيت تحتها. وبدلاً من الوقوف أحدق في وهج الشمس أخذت أتابع الحلاق أو الحجام وهو يقوم بعمله. كان تحت قبضته رجل نحيف بائس يجلس متربعا مسلما رقبته ومصيره للحلاق في إذعان عجيب. في ثوان سريعة وسم الحلاق أماكن معينة في أعلى العلباء ثم التقط موسى حاداً تلمع شفرته حتى في الظل. ثم أخذ يشطب به جمجمة الرجل من الخلف إلى أن بدأ الدم يتدفق. ثم تناول قمعين معدنيين وغطى بهما الجروح التي نز منها الدم وبعد أن مكن القمعين من جمجمة الرجل دنا من خلف الرجل وبدأ يشفط من فتحة القمع. كنت أتخيل أنه يسحب الدم ويشربه، فشعرت بالتقزز والقرف. لم أفهم ما كان يجري حينها ولكني عرفت بعد ذلك ان ما كان يجري أمامي هو شيء اسمه الحجامة. كرهت الكلمة. في كل مرة يتحدث فيها عن الحجامة أشعر بالتقزز وأترك المجلس إذا لزم الأمر. ومع التطور العلمي والثقافي زالت فكرة الحجامة من خيالي كما من ثقافة الناس. لم أعد أعرف أن أحداً ما زال يمارسها أو يستفيد منها.
في كثير من أدبيات النهضة تعتبر الحجامة نوعا من العلاج الشعبي القديم, مازال هناك بقية انقسام بين الناس حول جدواها. فهناك من يعدها جزءا من المفاهيم الطبية المتخلفة وهناك آخرون يرون أن لها فائدة في علاج بعض الأمراض. انقسام مثل هذا ليس بالضرورة انقساما علميا بقدر ما هي مفاهيم يتداولها الناس تعبيراً عن قناعات شخصية، أو مقاومة لا شعورية كجزء من مقاومة العلم الحديث الآتي من الغرب. بالنسبة لي آمنت أن الحجامة ليست إلا جزءا من التخلف الذي توارثه الإنسان بسبب غياب العلم وروح المنطق. ولكن هذا التوجه لا يمنعني دائماً من مراجعة ايماناتي لأن من مميزات العلم انه لا يعتمد على الإيمان بقدر ما يعتمد على الحقائق والتجارب. فالعلم يحترم الحقيقة إلى درجة أنه لا يتردد ان ينفي حقائقه بنفسه.
لم أكتب عن الحجامة بسبب كثرة مشاهدتي لدماء الأضحيات هذه الأيام ولكني قرأت قبل عدة أيام خبرا (تسويقيا) (أضع( تسويقيا) بين قوسين غليظين) نشر هذا الخبر في جريدة الجزيرة. يؤكد الخبر على نجاح المستشفى السعودي الالماني بجدة في شفاء امرأة كندية من أصل مغربي من مرض سرطان الدم باستخدام الحجامة. يقول الخبر أن تلك السيدة لجأت خلال سنوات إلى العديد من المراكز الطبية بالمغرب وأمريكا وفرنسا وكندا وزارت أكبر الأطباء المختصين في علاج السرطان وأوصوا لها بالعلاج الكيميائي. وبعد إثني عشر عاما مع سرطان الدم شاهدت المرأة الدكتور امير صالح (أعتقد أنه رئيس قسم الحجامة بمستشفى السعودي الألماني) يتحدث عن الحجامة من خلال إحدى القنوات الفضائية لتحضر من باريس إلى جدة وقد منّ الله عليها بالشفاء بعد جلستي علاج بالحجامة. ثم يقول الخبر: بعد أن أكد ان المستشفى افتتح أقسام الحجامة في كل فروعه في المملكة ليقول إن السيدة المغربية تركت تلفوناتها وعناوينها لكل من يريد أن يتأكد بنفسه، ثم يذهب الخبر إلى ملكة انجلترا الأم ليقول إنها عاشت أكثر من مائة عام وقد بينت سجلاتها الطبية أن الملكة عانت في منتصف عمرها من سرطان الدم، فأوفدت طبيبها الخاص إلى سوريا واستعانت بطبيب مختص لعمل الحجامة وداومت عليها وبالفعل كان لها الشفاء وعاشت هذا العمر المديد بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى ثم الحجامة.
لا أستطيع أن أقول رأيي في هذا الذي يطرحه هذا الخبر الإعلاني ولكني أتساءل لماذا ينشر مثل هذا الفتح العظيم في خبر صغير مدفوع القيمة لماذا لم يعقد المستشفى السعودي الألماني مؤتمرا صحفيا يدعو فيه الصحافة العالمية ووكالات الانباء ليبشر الإنسانية بهذا الإنجاز الكبير. الشيء الثاني الذي أريد أن أعرفه هو رأي وزارة الصحة في هذا الخبر تحديداً ثم ما هو دور الحجامة في علاج الأمراض المستعصية كالسرطان. وزارة الصحة تعرف أن الامراض المستعصية مجال كبير للاستغلال فكثير من النصابين والأفاقين يستغلون بؤس الناس وآلامهم لتحقيق الجني الربحي .
فاكس: 4702164
|