مهما تحدثنا عن عدم تأثير الحملة الغربية على المناهج الدراسية في عالمنا الإسلامي، فإننا لن نستطيع أن ننفي حقيقة شاهدة أمام أعيننا تؤكد لنا وجود تأثر بتلك الحملة التي تنادي بالتغيير وليس التطوير، وهنا يجب علينا أن نتحلى بالشجاعة الأدبية ونقول: إننا جزء من هذا العالم يؤثر ويتأثر، وإن الحملة الغربية القوية التي تنادي علناً عبر كل الوسائل بوجوب تغيير المناهج الدراسية في مدارسنا لنواكب مسيرة (العولمة) الغربية في جميع جوانبها قد دفعت كثيراً منا إلى التأثر بها، والمناداة بما نادت به، والبحث عن جوانب إيجابية في تلك الحملة من خلال الحرص على التجديد وعدم الجمود.
ونحن لا نجد غضاضة في تقويم المناهج، وإعادة النظر في بعض أساليبها، وطرائقها، ولا نرى ضرراً في تطوير ما يحتاج إلى تطوير منها وفق نظرة علمية سليمة، قائمة على الدراسة والتحقيق ودقة الاستقراء لمعرفة أبعاد المشكلة إن كانت هنالك مشكلة.
نحن لا نتحجر، ولا نضيق في هذا الأمر واسعاً، ولا نتأبى على التقويم والإصلاح والتطوير النابع من إحساسنا الصحيح بالمشكلة، ولكننا نرفض - رفضاً قاطعاً - الدعوات التي تنادي بما تنادي به أصوات غربية تنظر إلى الأمور بمنظار أحادي، وتراه برؤية سياسية ذات أفق ضيق، لا يستطيع أن يستوعب معاني المصلحة العامة التي يجب أن يراعيها كل من يدعي أنه يريد الإصلاح، فالمناهج الدراسية مناهجنا، والمدارس مدارسنا، والطلاب طلابنا، ومخرجات التعليم في بلادنا ذات مساس بحاجتنا إليها، فليس من حق أحد مخالف لنا في الدين والمنهج وطريقة الحياة أن يتدخل في تغيير ما نبني به شخصيات أبنائنا، وما نحقق به المصلحة لمجتمعنا، كما أنه ليس من حق أحد من أبناء المسلمين يتبع كل ناعق من الغرب أو الشرق أن يحمل لواء التغيير بطريقته توافق رأي الآخرين، ولا تنسجم مع ديننا ومجتمعنا، وطريقة حياتنا الخاصة بنا، لأنه - بهذه الصورة - لا يختلف عن الذين يخالفوننا في ديننا ومناهجنا إلا من حيث (هويتنا) التي يحملها ويتصف بها.
مناهجنا الدراسية نجحت في صناعة رجال ونساء، قادوا وما زالوا يقودون المجتمع في مجالاته المختلفة، وهو أمر نعرفه جميعاً، ولكن هذا النجاح لا يمنع أبداً من وجود الثغرات في طريقة إعداد هذا المنهج أو ذاك، ولا يمنع من الإصلاح والتغيير، وسد تلك الثغرات بطريقة تحافظ على كيان مجتمعنا، وعلى معالم شخصيتنا.
لا يستطيع أحد أن يجادل في حقيقة ثابتة تقول: إن الدعوات المنطلقة من الغرب لتغيير مناهج العالم الإسلامي الدراسية، ومناهج بلادنا بصفة خاصة إنما تهدف إلى تحقيق (الاندماج الكامل) بين المسلمين وبين غيرهم، اندماجاً تذوب فيه شخصية الضعيف في شخصية القوي، ويحقق خطط العولمة الغربية الأمريكية التي لا ترى إلا نفسها.
وما دام الأمر كذلك، فإن من أوجب الواجبات علينا، ولاة أمر ورعية أن نقول :(لا) لذلك الاندماج القاتل الذي يراد منا، وأن نقول: (نعم) لكل تطوير وإصلاح يسدد الخطى، ويسد الثغرات، ويحقق المراد.
وهنا نقول لكل قلم من أقلام أبنائنا كتب ولا يزال يكتب ما يؤكد موافقته على المطالب الغربية بتغيير المناهج: (لا، ثم لا) لما تسطره أيها القلم الذي لا نريد لك إلا أن تكون داعماً لمسيرة الإصلاح والتطوير الواعي المنبثق من دينك وقيم مجتمعك، ولا نريد منك إلا أن تكون قلماً صامداً في مواجهة التغريب والتذويب الذي تنادي به (عولمة) اولئك الذين يسعون إلى التهام كل شيء، وإلى الإلقاء بك أنت في أوحال لا تستطيع أن تخرج منها.
مناهجنا الدراسية لنا، ولمجتمعنا ولأمتنا، ويجب ألا تنقطع صلتها بديننا وقيمنا، وأن تتواصل فيها دنيانا بآخرتنا، وليس هنالك ما يمنع من تطويرها في هذا السبيل.
إنها أمانة عظيمة، علينا جميعاً عبء المحافظة عليها.
إشارة:
ولد الفجر فاهربي يا دياجي
واستضيئي بنوره يا كهوف |
|