Sunday 8th February,200411455العددالأحد 17 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

البيت أفضل مكان ينطلق منه الطفل إلى عالم المعرفة البيت أفضل مكان ينطلق منه الطفل إلى عالم المعرفة
وسيلة محمود الحلبي/ كاتبة ومحررة صحفية وعضو الجمعية السعودية للإعلام

إنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني عن الغمض
صدق الشاعر الكريم حين قال هذين البيتين من الشعر فمن أغلى من الأولاد على قلب والديهم.. ومن الذين سنخاف عليهم أكثر من أولادنا لا أعتقد أن هناك غيرهم على الاطلاق إلا (والدينا)..
لذلك فإن لأولادنا علينا الكثير من الحقوق وخاصة في سنواتهم الأولى في الحياة، وحتى نستطيع أن ننفعهم قبل الالتحاق بالمدرسة لا بد أن نوليهم قدراً كبيرا من الاهتمام الذي يؤهلهم التأهيل المناسب للولوج في مراحل التعليم وهم واثقون وأقدامهم راسخة.
إن منح أطفالنا الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات الوقت والاهتمام الكافي والتشجيع على تنمية المهارات، سيجعلهم متقدمين على أقرانهم في التحصيل الدراسي عندما يكبرون. وفي واقع الأمر، فإن جميع الحوارات التي تجريها الأم أو الأب مع الأطفال، وتلك الألعاب والأنشطة المشتركة والقراءات التي تمارس مع الأطفال في المنزل كأسرة، سوف يكون لها الأثر الإيجابي طويل الأجل على تطور ونمو تفكير الأطفال في مرحلة النضج والبلوغ. فجميع تلك الساعات التي نمضيها بصبر في القراءة لأطفالنا الذين لم يبلغوا بعد الخامسة سوف تأتي ثمارها. فقد أثبتت الدراسات أن معظم القدرات الأساسية على القراءة والكتابة لدى الأطفال يحصلون عليها من البيت.
فالأطفال يتعلمون القراءة بسهولة أكثر ولو أمضوا وقتاً ممتعاً مع والديهم، ليستعرضوا الكتب والحكايات والقصص قبل الدخول إلى المدرسة وبدء مراحل التعليم الفعلية.
إن التعليم في البيت مع الأبوين أو مع أحدهما يمنح الطفل دون الخامسة من عمره الثقة في أنه يستطيع أن يتعلم.
وهناك دراسات أجريت أوضحت أن الأطفال يجدون معنى في الأرقام والكلام المكتوب من خلال الأنشطة المختلفة في الحياة الأسرية وهو ما يمكن كذلك أن يعطيهم فكرة عن أمور عامة من حولهم. فيشعر الأطفال بثقة غامرة عندما يتعلمون مهارات جديدة وهم يعرفون أن والديهم بجوارهم لتقديم الدعم والمساعدة عند الحاجة. ومن المعروف في علم الاجتماع أن الأطفال الذين نمت لديهم مشاعر الثقة بالذات في الصغر أصبحوا أكثر نجاحاً في حياتهم الدراسية في مراحل الدراسة المتقدمة. فقد عرفوا أنفسهم منذ الصغر ورأوا أنهم قادرون على التعلم واكتساب المعرفة، واستمر شعورهم هذا حتى عندما أصبح العمل المدرسي أكثر صعوبة. فأصبحت لديهم نظرة إيجابية عن التعليم بوجه عام. وعن قدراتهم الشخصية على الأداء. إن الأطفال يتعلمون أموراً كثيرة وخاصة من خلال مراقبتهم لوالديهم في الحياة اليومية، فعلى الأم مثلاً: أن تطلب من طفلها الصغير (صبي أم فتاة) مساعدتها في بعض أمور الطهي أو التنظيف. والطفل سوف يسأل عندئذ أسئلة كثيرة وهي غالباً أسئلة مملة بالنسبة للأم ولكنها جميعاً أمور جديدة بالنسبة للطفل.
وفي ذات الوقت الذي يجدون فيه الإجابة على استفساراتهم سيتحملون مهارات في شؤون الحياة اليومية كذلك على الأم والأب مشاركة الطفل في بعض الأنشطة الهادئة كالنظر إلى الكتب أو القراءة أو الغناء معاً.
ولنعلم أن بعض الأمور البسيطة العادية في حياتنا توفر الكثير بالنسبة لأطفالنا الصغار ويفيدون منها بصورة أكبر مما نتوقع. فاصطحاب الطفل إلى المراكز التجارية يمكن أن يكون ممارسة مسلية جداً وسوف يستمتع الطفل أكثر إذا أعطي الفرصة لاختيار بعض السلع التي يشتريها بنفسه وسوف يتعلم الكثير عن النقود وفئاتها إذا ما سمح له بدفع قيمة المشتريات. كذلك لو سنحت له الفرصة بوضع الخطابات في صندوق البريد فإنه بلا شك سيكون مهتما كثيرا بمعرفة ما آل إليه الخطاب وأين تذهب الرسائل، ومن أمتع التجارب للطفل أن يصحبه والداه في رحلة بالقطار أو الحافلة.
ولا بد أن نساعد أطفالنا على التغلب على الصعوبات الصغيرة التي يواجهونها وألا نجبرهم على الاستمرار في الأنشطة التي لا يستمتعون بها. وعلينا أن نشجع أطفالنا بعبارات مثل: (أحسنت) أشكرك على مساعدتك لي، شكراً على ترتيب فراشك وغرفة نومك.. فأطفالنا عجينة لينة نحن نشكلها، وصفحة بيضاء نحن نكتبها.
وهم أمانة في أعناقنا، وعلينا أن نحول الليمون الحامض إلى شراب لذيذ الطعم ليشربوه هنيئاً مريئاً بلا غصََّة.
ألم أقل في البداية صدق شاعرنا الكريم عندما قال:
إنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني عن الغمض
وبعد..الطفولة بعيدة عنا، وكذلك الأطفال وقد كنا أطفالا بخدود وردية مدورة، وعيون براقة وشهية لا تنقطع لكل ما هو سكري في الأشياء، والمشاهد والأفعال..
تُرى هل نتذكر لون الوردة الحمراء، والصفراء، والليلكية، والوردة متعددة الألوان!!؟
تُرى هل نتذكر غبطة السير الأول على دراجة بثلاث عجلات؟
ترى هل نتذكر طعم (البوظة) المثلجة في ظهيرة يوم مدرسي حار؟
قد نتسرع في الإجابة ونقول: نعم نتذكر كل هذه الأشياء الجميلة...لا لأننا نتذكرها، بل يمر في أذهاننا وميض من الذكريات وإحساس باهت يشوشه إحساسنا بآخر طبق بوظة تناولناه، أو آخر مرة ركبنا فيها الدراجة..
ترى هل نتذكر أصدقاء طفولتنا، فكم كانت رائعة تلك العداوات القديمة التي غالباً ما تقود إلى العراك بالأيدي..
لقد كبرنا.. وكبرت الأشياء من حولنا وبدأنا نرتاب في العالم، وبدأ العالم يرتاب فينا، ولم نعد نبحث عن الجمال واللذة والحرية، والمرح، والمغامرة، بل أصبحنا نبحث عن الأمان، والهدوء، والاطمئنان، والاستقرار، وأصبح اليوم ممتلئاً بهواجس الغد.. والمضحك أننا نأتي الآن مرة بهيئة الآباء، ومرة بهيئة المعلمين، ومرة بهيئة الكتاب، والرسامين لنقدم للأطفال الأشياء التي لم نعد نملكها..
إن النجاح في مخاطبة الأطفال ليس في أن نجعل الطفل يقلدنا، بل في أن نقلد بأنفسنا الطفل..
الطفل الذي كُنتهُ والذي أنت، والذي حجبه عنك غبار السنين المتراكم..
لحظة دفء..
قال طاغور:
عندما آتيك يا بني بالألعاب الملونة
أفهم لماذا تمرح الألوان فوق الغيم والماء
وتتوهج في ثنايا الزهور
عندما أغنيك لترقص
أعرف حقاً لماذا تهزج الموسيقى في الأوراق
ويلج نشيد الموج إلى أحشاء الأرض الصامتة.
عندما تلتهم يداك ما أحمله من أقراص الحلوى
أعرف لماذا يتدفق العسل في كُمِّ الزهور
والعصير الحلو في صدر الثمر
عندما ألثم محياك لتبتسم
أفهم فهم اليقين أي لذائذ تسكبها السماء
في الصباح المنير
وأي هناء يحمله نسيم الصيف إلى جسدي..
وأنا أقول..
ليس هناك أنجح من الحب
للاقتراب من الأطفال وتخفيف معاناتهم
ولمس شغاف قلوبهم
وزرع الابتسامة على وجوههم
وضحكة عيونهم..
وشهقة ضحكاتهم..
وبراءتهم..

للاتصال تليفاكس 012317743


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved