Sunday 8th February,200411455العددالأحد 17 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

العشماوي وطفل الحجارة العشماوي وطفل الحجارة
عمر بن عبدالعزيز المحمود/ معيد بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

من نافلة القول ان الشاعر ما لم يكن صادراً في شعره من مبدأ نبيل وهدف إنساني يبتغي من خلاله التأثير الإيجابي في مناحي الكون والحياة فإن شعره سيكون مجرد ألفاظ لا روح فيها، ألفاظ تموت حالما تخرج من قريحته.
ولا يتأتى الهدف والمبدأ إلا حينما يتبنى الشاعر قضية ما، فيسخر لها إمكانياته الشعرية التي يهدف من ورائها التأثير في عقول المتلقين رغبة في شحذ هممهم وزيادة إيمانهم بالقضية التي نذر نفسه لها.
عبدالرحمن العشماوي شاعر من فئة الشرفاء نذر نفسه وشعره لأمته وهمومها، مستنطقاً آلامها، راسماً آمالها وتطلعاتها.
ويعد (طفل الحجارة) واحداً من أهم القضايا التي تبناها العشماوي في شعره في فترة زمنية بدأت منذ انطلاق الانتفاضة وما تزال ظاهرة في شعره.
إن المتأمل في شعر العشماوي يرى طفل الحجارة واضحاً هناك، يراه متصفاً بكثير من الصفات التي تجعل المتلقي يتفاعل معه، يتفاعل معه أحياناً بدمعة:


نصحو على عزف الرصاص كأننا
زرعٌ، وغارات العدو حصاد

وبدهشة وإعجاب أحياناً أخرى:


ووقفت حين رأيت طفلاً شامخاً
قاماتنا من حوله تتقزم
طفل صغير غير أن شموخه
أوحى إلي بأنه لا يهرم
طفل صغير والمدافع حوله
مبهورة، والغاصبون تبرموا
في كفه حجر، وتحت حذائه
حجر، ووجه عدوه متورم

والعشماوي يركز دائماً على محاولة تحري أذهان المتلقين وهز مشاعرهم ودفعهم إلى التعاطف الواعي والفاعل مع قضية طفل الحجارة في رحلته النضالية التي يدافع فيها عن دينه ووطنه، ويحاول جاهداً أن يلقي في روع المتلقي أن هذا الطفل الصغير إنما تحرك بعدما رأى يأس الكبار الذين خذلوه:


طال انتظار صغاركم فتحركوا
لما رأوا أن الكبار توقفوا
وتلفتوا نحو السلام فما رأوا
غير الحصى من حولهم تتلهف
عزفوا بها لحن البطولة، والحصى
في كف من يأبى المذلة تعزف

ويحرص العشماوي دائماً على أن ينطق الطفل الفلسطيني تلك الحقيقة المرة التي تعري مجتمعاتنا وقياداتنا:


ما بال إخوتنا استكانوا يا أبي
لا شامنا نطقت ولا بغداد؟
قالوا (الحياد)، وتلك أكبر كذبة
فحيادهم ألا يكون حياد
يا ويحنا ماذا أصاب رجالنا
أوما لنا سعد ولا مقداد؟!

ومع ذلك فإن طفل الحجارة - رغم كل هذا التخاذل - ما يزال ممسكاً بحجره وبقبس من نور يشتعل في صدره إيماناً ويقيناً ونضالاً، وما يزال قادراً وحده على دفع المعتدي وحماية دينه ووطنه.


أنا يا أبي طفل ولكن همتي
فجر به يحلو لي استشهاد
لا تخش يا أبتِ علي فربما
قامت على عزم الصغير بلاد
دعنا نسافر في دروب إبائنا
ولنا من الهمم العظيمة زاد

وللحجر الفلسطيني عند العشماوي قصة تفيض شموخاً، وتعبق بطولة وكبرياء.. فقط إذا كان في يد ذلك الطفل الصغير الذي اتخذه لغة له:


هذي الحجارة يا أبي لغة لنا
لما رأينا أننا لا ننصف

تلك الحجارة التي تتكلم وتنطق حينما يسكت الجميع:


سكت الرصاص فيا حجارة حدثي
أن العقيدة قوة لا تهزم

ويتعمد العشماوي في كثير من نصوصه البطولية والنضالية أن يحشد مزيداً من الصور الجميلة المحلقة للطفل الفلسطيني المجاهد معتمداً على قدرته الفذة على التجنيح في فضاءات الخيال.
وهذه الصور إنما تعكس رغبة العشماوي في إعطاء الطفل الفلسطيني ولو جزءاً من حقه، وهو الذي لا يزال يضحي بحياته ويقاتل الطائرات والدبابات بحجارته، ويستثمر العشماوي الأسلوب الإنشائي (الاستفهام) ليجعل القارئ مشتاقاً إلى معرفة شخصية بطله:


من أنت؟ وانبهرت حروفي، والتوى
وجه السؤال، وأثبتتني الأسهم
من أنت؟ وامتدت إليه مشاعري
جسراً، وقلبي بالسعادة مفعم
من أنت؟ أوزان القصيدة لم تزل
عطشى، وأفق الشاعرية معتم

إلى أن تأتي تلك الإجابة التي رسمت الدهشة في الوجوه، وعقدت الألسن والقلوب:


أنا من ربوع القدس طفل فارس
أنا مؤمن بعقيدتي أنا مسلم
أنا من ربوع القدس طفل شامخ
أحمي فؤادي باليقين وأعصم
ما زلت أرقى في مدارج عزتي
قلبي دليلي والعزيمة سلَّم

هذا هو طفل الحجارة الفلسطيني في عيون حسان هذه الأمة الشاعر المبدع عبدالرحمن العشماوي الذي كان دائماً يحاول أن يوصل رسالته الحزينة وقضيته المظلومة الى العالم بأسره:


حجر الصغير رسالة نقلت على
ثغر الشموخ فأصغت الأكوان


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved