كانت الطَّائرة تنهب الفضاء...
ثمَّة رغبة في الهجوع إلى التَّأمُّل...
النَّاس من حولي صامتون إلاَّ من محاولة الانفكاك من وحدة التَّقرطس داخل علبة معدنية طويلة...
كيف نزجُّ بأنفسنا داخل هذا الصَّندوق الذي حاول الإنسان أن يُضفي عليه إحساساً بالحياة، فحرَّك بداخله الهواء، والأقدام، وبثَّ فيه الأصوات، والعطورات، الطَّائرة...
ثمَّة فكرة مختزنة في الدَّاخل تجعل الإحساس يستكين، والفكر لا يتمرَّد... ويتمُّ الاستسلام...
ربَّما لأمل أن يلتقي الإنسان بعد الهبوط منها أملاً، أمنية، وجهاً، موقفاً، شيئاً وضعه لكي يغامر بالانسياب مع سطوة الصَّمت لأيِّ شعورٍ غامضٍ في اللاعدميَّة...
عبثٌ فكرة التّمرد على سكون الإحساس...
كانت تنهب الفضاء...
تتجاسر على المدى...
تطوي اللّحظات...
أمسكتُ بصحيفة، كانت (الوطن)،...
إذْ قبل صعودي أنجزتُ قراءة صحفي الخاصة!
في ركنٍ من صفحتها الأخيرة...
الرُّكن الأيمن... زاوية مربعة، اعتلاها عنوان: (حلٌ يهودي لفيروسات الإنترنت: الصلاة قبل دخول الشَّبكة!)... شدَّني العنوان لقراءة الخبر (القدس: الفرنسية: أعدَّ حاخام إسرائيلي صلاةً خاصةً لليهود المتشدِّدين الراغبين في تصفح الإنترنت تقيهم مخاطر الشَّبكة... فقبل الاتصال... يكفي أن يتضرَّع المستخدم الورع إلى الله ليحفظه من (هجمات الفيروسات) ومن خطر مواجهة صور أو نصوص (بعيدة عن الحشمة)، وقام بصياغة الصلاة المستحدثة أخيراً صمويل الياهو الحاخام الأكبر المتشدد في صفد) ويستمر الخبر بتأكيد موقف اليهود المتدينين إلى عدم استخدام الشَّبكة (وحذروهم من مخاطر الحواسيب المريعة) في نداء علني، وقال هؤلاء الحاخامون آنذاك (إنه يحظر بشدة استخدام الإنترنت أو مشاهدة التلفزيون لأنّهما يمثِّلان مخاطر مريعة على قدسية إسرائيل)... انتهى الخبر... وكانت قد أشارت إليه صحف أخرى...
الطَّائرة تنهب الفضاء...
الله قريب...
(إسرائيل) تخشى على قدسيّتها...
الحاخام يصيغ دعاءً قبل الدخول إلى الحاسوب!!
الطَّائرة تنهب الفضاء...
النَّاس تتلذَّذُ بشرب القهوة...
الشّاي...!!
الحليب...!!
اللَّبن...!!!
القهوة...!!
وثمَّة تجاسر...
لصعود علبة معدنية،
للجلوس بداخلها...
للتَّأمل...، للتَّفكُّر...، لسحب كميَّات من الهواء المُعلَّب إلى الصَّدر في عملية شهيق عميق...
يخرج الزَّفير...
والورقة قد اسودَّت بالحروف...!!.
|