منزل الرسول صلى الله عليه وسلم مثالٌ حيُّ للمنزل المستبشر، لأنَّه عامرٌ بطاعة الله عز وجلَّ وعبادته، ومشرق بطلاقة وجه صاحبه وابتسامته، ومطمئنُّ بما يتردَّد فيه من القرآن الكريم وتلاوته.
منزل محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام متواضع الأثاث والرِّياش، خشن المعيشة قليل الفِراش، بعيدٌ عن مظاهر الزينة والتَّزويق، ولكنَّه منزل الهدوء والسعادة، والعيش الرَّغيد والرِّيادة، منزل الرَّاعي المشفق على رعيَّته، والزَّوج الودود المحسن إلى زوجته، منزل الذي يقول والابتسامة المباركة تضيء كلَّ ما حوله: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).
منزل محمد بن عبدالله منزل المودَّة والمحبة، والرحمة والشفقة، منزل المناقشات العائلية المفتوحة القائمة على الثقة وحسن الظن والعشرة، وصفاء السَّريرة.
منزل الحبِّ الكبير بين زوجات صالحاتٍ قانتاتٍ، وزوجٍ مؤمنٍ بربه إيماناً أقوى رسوخاً من الجبال الراسيات.
من منزل (أبي القاسم) عليه الصلاة والسلام انطلقت تباشير الخير إلى كلِّ مكان، بالرغم من الحوادث الجسام، والهموم العظام، فهو منزل عامرٌ بالكلمة الطيبة، والعمل الصالح، والصَّدقة الجارية، والضِّيافة والكرم، والعزيمة والهمم، ورحابة الصَّدر، ونقاء النَّفس من أدران الحقد والحسد، واليأس والقنوط.
من منزل (أبي القاسم) عليه الصلاة والسلام خرجت إلى الناس قصص الحبِّ العائلي الصادق الكبير، وحكايات المودَّة والرَّحمة، والتآلف الذي ليس له نظير، وأحاديث الصِّدق التي ترشد التائهين، وتوضح الطريق للحائرين، من هذا المنزل المبارك انبثقت أنوار الحياة الزوجية التي لا مجال فيها للتعنُّت والقسوة ومصادرة الحرية والرأي، ولا مكان فيها للجحود والنكران، ولا موقع فيها للّهو والغفلة والانصراف عن عبادة الرحمن، الحياة الزوجية النبوية المضيئة بالحب الصادق، والعبارة الصافية النقية، والاحترام المتبادل بين أعضائها المؤمنين الطيبين.
الحياة الزوجية التي فتحت أبواب الصفاء والنقاء، والتفاهم والوفاء، وأغلقت أبواب الغيبة والنميمة وسوء الظن بالنَّاس، حتى صارت مثلاً أعلى للاستقرار العائلي المنشود، الذي تبدأ منه رحلة التفاؤل والنجاح في جوانب الحياة الأخرى.
من المنزل يبدأ الاستبشار بالخير، وتبدأ رحلات النجاح في العمل، والفلاح في السعي، والصلاح في القول والفعل، فالمنزل هو الواحة التي يستظلُّ الإنسان بظلال الحنان والمودَّة فيها منذ ولادته إلى أنْ يخرج منه إلى ميدان الحياة مقتدراً قويَّاً ، متعلِّماً عاملاً.
إذا رأيت أطفالاً مؤدبين، صالحين، مستبشرين، يعزفون بصدى ضحكاتهم البريئة أجمل الألحان، وترتفع كلماتهم عن ساقط القول، وبذيء الكلام، فاعلم أنَّ وراءهم منزلاً طيباً مباركاً، وولاةَ أمرٍ يحسنون في طريقة تعاملهم وتربيتهم لأولادهم إحساناً تبدو نتائجه واضحةً في صورة أولادهم المشرقة التي يظهرون بها خارج بيوتهم.
(يا غلام سَمِّ الله، وكلْ بيمينك، وكل مما يليك) عبارات تربوية جميلة، فيها توجيه كريم ممزوجٌ بروح المحبة التي لا تخفى على من يقرأ ما وراء العبارة، وملوَّنُ بألوان المودَّة التي تراها عين البصيرة ألواناً زاهية بديعة، وفيها تربية هادئة ليس فيها من التشدُّد والقسوة والعَنَتِ والقول الغليظ المنفِّر شيء أبداً، وإنما فيها هذا الشعور الفيَّاض بالحب الكبير، والعطف والمودة والتقدير.
من المنزل يبدأ الاستبشار، ويبدأ العطاء والبناء، وتبدأ رحلة الحياة الطيبة المباركة، فما أجمل أنْ يدرك الآباء والأمهات ذلك.
إشارة:
أعيذ قلبك أن يشقى بلوعته
وأنْ يفجِّر فيه الحزن بركانا |
|